للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عند اللّه، ونهاهم عن أن يُفَرَّقوا بين أحدٍ من الرسل، فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٦، ١٣٧]، وقال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ الآية [البقرة: ٢٨٥، ٢٨٦] وأمته لا يستحلون أن يأخذوا (١) شيئًا من الدين غير ما جاءَ به، ولا يَبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يَشرعون من الدين ما لم يأذن به الله، لكن ما قصَّه عليهم من أخبار الأنبياء وأممهم، اعتبروا به، وما حدَّثهم أهلُ الكتاب موافقًا لما عندهم صدّقوه، وما لم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه، وما عرفوا بأنه باطل كذَّبوه، ومن أدخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أو غيرهم، كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع.

وهذا هو الدِّين الذي كان عليه أصحاب رسول اللّه والتابعون، وهو الذي عليه أئمةُ الدين الذين لهم في الأمة لسان صدق، وعليه جماعة المسلمين وعامَّتُهم، ومن خرجَ عن ذلك كان مذمومًا مدحورًا عند الجماعة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، الظاهرين إلى قيام الساعة، الذين قال فيهم رسول الله : "لا تزال طائفة من أمتي، ظاهرين على الحق، لا يضرِّهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة" (٢).

وقد يَتنازعُ بعضُ المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الذي هو دين الرسل عمومًا، ودين محمد خصوصًا، ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم مُلحدًا مَذمومًا، ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينًا ما قام به أكابر علمائهم وعبَّادهم، وقاتل عليه ملوكُهم، ودانَ به جُمهورهم، وهو دينٌ مُبتدع ليس هو دين المسيح ولا دين غيره من الأنبياء، والله سبحانه أرسلَ رسلَه بالعلم النافع، والعمل الصالح، فمن اتَّبعَ الرسلَ حصل له سعادة الدنيا والآخرة، وإنما دخل في البدع من قصَّرَ في اتِّباع الأنبياء علمًا وعملًا. ولما بعثَ اللّه محمدًا بالهدى ودين الحق، تلقى ذلك عنه المسلمون أمّتُه، فكلُّ علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد، أخذوه عن نبيهم؛ كما ظهر لكل عاقل أن أمَّته أكملُ الأمم في جميع الفضائل، العلمية والعملية، ومعلومٌ أن كل كمال في الفرع المتعلِّم هو في الأصل المعلِّم، وهذا يقتضي أنه كان أكمل الناس عِلمًا ودينًا.


(١) في المطبوع: يوجدوا.
(٢) قطعة من حديث طويل رواه مسلم في صحيحه رقم (١٩٢٠) في الجهاد، والترمذي في الفتن (٢٢٢٩)، وابن ماجه في السنة (١٠)، وفي الفتن (٣٩٥٢)، وابن حبان (٦٧١٤) من حديث ثوبان .