للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما تتوفر الدواعي على نقله، فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة، لا أقل من ذلك. ونحنُ لا نُنكر هذا في قدرة اللّه تعالى وبالنسبة إلى جناب رسول اللّه ، فقد ثبتَ في الصحيح (١) أنها رُدّت ليوشع بن نون، وذلك يوم حاصر بيتَ المقدس، واتفق ذلك في آخر يوم الجمعة، وكانوا لا يُقاتلون يومَ السبت فنظر إلى الشمس وقد تَنَصَّفَت للغروب فقال: "إنّكِ مأمورةٌ، وأنا مأمورٌ، اللهم احبسها عليّ، فحبَسها اللّه عليه حتى فتحُوها".

ورسول اللّه أعظمُ جاهًا، وأجلُّ منصبًا، وأعلى قدرًا من يُوشعَ بن نون، بل من سائر الأنبياء على الإطلاق، ولكن لا نقول إلا ما صحَّ عندنا عنه، ولا نُسند إليه ما ليس بصحيح، ولو صحَّ لكنّا من أول القائلين به، والمعتقدين له، وباللّه المستعان. (وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري في كتابه "إثبات إمامة أبي بكر الصديق") (٢): فإن قال قائل من الروافض: إن أفضلَ فضيلةٍ لأبي الحسن، وأدلَّ دليل على إمامته ما رُوي عن أسماء بنت عُمَيس، قالت:

كان رسول اللّه يُوحى إليه ورأسُه في حِجر عليّ بن أبي طالب، فلم يُصَلِّ العصرَ حتى غَرُبت الشمسُ، فقال رسول اللّه لعلي: "صَلَّيتَ؟ " قال: لا، فقال رسول اللّه: "اللهم إنه كان في طاعتِك وطاعةِ رسولك، فاردد عليه الشمس" قالت أسماء: فرأيتُها غَرُبَت، ثم رأيتُها طلعت بعدما غربت.

قيل له: كيف لنا لو صحَّ هذا الحديثُ فنَحتجُّ على مخالفينا من اليهود والنصارى، ولكنَّ الحديثَ ضعيفٌ جدًا لا أصلَ له، وهذا مما كَسبت أيدي الروافض، ولو رُدّت الشمسُ بعدما غَرُبَت لرآها المؤمنُ والكافرُ، ونقلوا إلينا أن في يوم كذا في شهر كذا في سنة كذا رُدّت الشمسُ بعدما غَرُبَت.

ثم يقال للروافض: أيجوزُ أن تُرَدَّ الشمسُ لأبي الحسن حين فاتته صلاةُ العصر، ولا تُرَدُّ لرسول اللّه ولجميع المهاجرين والأنصار وعليٌّ فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق؟.

قال: وأيضًا مرة أخرى عَرَّسَ رسولُ اللّه بالمهاجرين والأنصار حين قفلَ من غزوة خيبر، فذكرَ نومَهم عن صلاة الصبح، وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس، قال: فلم يُرَدَّ الليلُ على رسول اللّه وعلى أصحابه.

قال: ولو كان هذا فضلًا أُعطيه رسولُ اللّه، وما كان اللّه ليمنعَ رسولَه شرفًا وفضلًا- يعني أُعطيه علي بن أبي طالب-.


(١) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣١٢٤) في فرض الخمس عن أبي هريرة ، ومسلم في صحيحه رقم (١٧٤٧) في الجهاد عن أبي هريرة أيضًا.
(٢) ما بين قوسين ساقط من المطبوع واستدركته من الأصل.