للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنصاري قال: استسقى رسولُ الله يومَ جمعة وقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا" فقام أبو لُبابة فقال: يا رسولَ الله إن التَّمرَ في المَرَابدِ. وما في السماء من سَحاب نراه، فقال رسول اللّه : "اللهم اسقنا، حتى يقومَ أبو لبابة يَسدُّ ثَعلَب مِربَده بإزاره" فاستهلّت (١) السماءُ ومَطرت، وصلَّى بنا رسولُ اللّه ، فأتى أبا لبابةَ (٢) يقولون له: يا أبا لبابة، إن السَّماءَ والله لن تُقلعَ حتى تقومَ عُريَانًا فتسدَّ ثَعلبَ مِربَدك بإزارك كما قال رسول الله ، قال: فقام أبو لبابة عُريَانَ يَسذُ ثَعلبَ مِربده بإزاره، فأقلعت السماءُ (٣).

وهذا إسناد حسن، ولم يروه أحمد ولا أهلُ الكتب، واللّه أعلم.

وقد وقعَ مثلُ هذا الاستسقاء في غزوة تبوك في أثناء الطريق؛ كما قال عبد اللّه بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن عبد الله بن عباس؛ أنه قيل لعمرَ بن الخطاب: حدِّثنا عن شأن ساعة العُسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قَيظ شديد، فنزلنا منزلًا وأصابنا فيه عَطشٌ حتى ظننا أن رقابَنا ستنقطع، حتى أن كان أحدُنا ليذهبُ فيلتمسُ الرَّحلَ فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى أن الرجل ليَنحرُ بعيره فيعصر فَرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! إن الله قد عَوَّدكَ في الدعاء خيرًا، فادعُ الله لنا، فقال: "أو تحبُّ ذلك؟ " قال: نعم، فرفع يديه نحو السماء، فلم يَرجعهما حتى قالت (٤) السماء فأطلّحتْ (٥)، ثم سكبت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (٦).

وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجوه.

وقد قال الواقديّ (٧): كان مع المسلمين في هذه الغزوة اثنا عشر ألف بعير ومثلَها من الخيل، وكانوا ثلاثين ألفًا من المُقاتلة، قال: ونزل من المطر ماءٌ أغدقَ الأرض حتى صارت الغُدران تسكبُ بعضُها في بعض، وذلك في حمأة القيظ -أي: شدة الحر البليغ- فصلوات الله وسلامه عليه.

وكم له من مثل هذا في غير ما حديث صحيح، ولله الحمد.

وقد تقدم أنه لما دعا على قريش حين استعصت؛ أن يُسَلِّطَ اله عليها سَبعًا كسبع يوسف، فأصابتهم


(١) كذا بالأصل، وفي دلائل النبوة: فأسبَلت.
(٢) في الدلائل: ثم طاف الأنصار بأبي لبابة يقولون …
(٣) "دلائل النبوة" للبيهقي (٦/ ١٤٤ - ١٤٥).
(٤) "قالت السماء": امتلأت بالغيوم.
(٥) "فأطلّت": تهيأت للهطول.
(٦) رواه البزار رقم (١٨٤١).
(٧) الطبقات الكبرى؛ لابن سعد (٢/ ١٦٦).