للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشجرتين، وذكرنا آنفًا عن غير واحد من الصحابة نحوًا من حديث الجمل؛ لكن بسياق يُشبه أن يكون غيرَ هذا، فالله أعلم.

وسيأتي حديثُ الصبيّ الذي كان يُصرع ودعاؤه له، وبرؤه في الحال، من طرق أخرى.

وقد روى الحافظ البيهقيُّ عن أبي عبد الله الحاكم وغيره، عن أبي العباس الأصم، عن أحمد بن عبد

الجبار، عن يُونس بن بُكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:

خرجتُ مع رسول الله في سفرٍ، وكان رسولُ الله إذا أرادَ البرازَ تباعدَ حتى لا يراهُ أحدٌ، فنزلنا منزلًا بفلاةٍ من الأرض ليس فيها عَلَمٌ ولا شجر، فقال لي: "يا جابر، خذ الأداوَةَ وانطلق بنا" فملأتُ الأداوةَ ماءً وانطلقنا، فمشينا حتى لا نكادُ نرى، فإذا شجرتان بينهما أذرعٌ، فقال رسول الله : " يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقولُ لك رسولُ الله: الحقِي بصاحبتِك حتى أجلس خلفَكُما" ففعلت فرجعت فلحِقَت بصاحبتها، فجلسَ خلفَهما حتى قضَى حاجته.

ئم رجعنا فركبنا رواحلنَا فسِرنا كأنما على رؤوسنا الطير تُظَلِّلُنَا، وإذا نحنُ بامرأةٍ قد عَرَضت لرسول الله فقالت: يا رسولَ الله، إن ابني هذا يأخذُه الشيطان كلَّ يوم ثلاثَ مراتٍ لا يدعه، فوقفَ رسولُ الله فتناولَه فجعلَه بينَه وبين مُقَدّمة الرَّحل فقال: " اخسأ عدؤَ الله، أنا رسولُ الله " وأعاد ذلك ثلاثَ مراتٍ، ثم ناولَها إيّاه، فلمَّا رجعنا وكنّا بذلك الماء، عرضَت لنا تلك المرأة ومعها كَبشان تقودُهما والصبيّ تحملُه، فقالت: يا رسول الله، اقبل مني هديتي، فوالذي بعثَك بالحقِّ إن عاد إليه بعدُ، فقال رسول الله : "خذوا أحدَهما وردُّوا الآخرَ ".

قال: ثم سِرنا ورسولُ الله بيننا، فجاءَ جملٌ نادٌّ، فلما كان بين السِّماطين خرَّ ساجدًا، فقال رسول الله : "يا أيها الناسُ، من صاحبُ هذا الجمل؟ " فقال فِتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله، قال: "فما شأنه؟ " قالوا: سَنَونَا عليه منذُ عشرينَ سنةً، فلما كَبُرَت سِنُّه وكانت عليه شحيمة أردنا نحرَه لنقسمَه بين غِلمَتِنَا، فقال رسول الله : "تبيعونيه؟ " قالوا: يا رسول الله، هو لك، قال: "فأحسنوا إليه حتى يأتيَه أجلُه" قالوا: يا رسولَ الله، نحن أحقُّ أن نسجدَ لك من البهائم، فقال رسول الله : " لا يَنبغي لبشرٍ أن يسجدَ لبشرٍ، ولو كانَ ذلك كانَ النساءُ لأزواجهنّ" (١).

وقد روى أبو داود وابن ماجه (٢)، من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفراء، عن أبي


(١) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ١٨ - ١٩)، وإسناده ضعيف.
(٢) رواه أبو داود في سننه رقم (٢) في الطهارة، وابن ماجه في سننه رقم (٣٣٥) في الطهارة، وهو حديث صحيح بشواهده.