للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: هذا الحديث مما تكلَّم الناسُ في محمد بن يُونس الكُدَيمي بسببه وأنكروه عليه، واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما يُنكر عقلًا ولا شرعًا، فقد ثبتَ في الصحيح (١) في قصة جُرَيج العابد أنه استنطقَ ابنَ تلك البغيّ، فقال له: يا أبا يونس، ابن من أنت؟ قال: ابنُ الراعي، فعلمَ بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه. وقد تقدم ذلك.

على أنه قد رُوي هذا الحديث من غير طريق الكُدَيمي، إلا أنه بإسناد غريب أيضًا.

قال البيهقي: أخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمانَ الزاهدُ، أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني- بثغر صيدا- حدَّثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد أبو الفضل، حدَّثنا أبي، حدَّثنا جدي شاصُونة بن عُبيد، حدَّثني مُعرَّض بن عبد الله بن مُعرَّض بن مُعيقيب، عن أبيه، عن جده. قال: حججتُ حجّةَ الوَداع فدخلتُ دارًا بمكةَ فرأيتُ فيها رسولَ الله وجهه كدارة القمر، فسمعتُ منه عجبًا، أتاه رجلٌ من أهل اليمامة بغلام يوم وُلد، وقد لفَّه في خِرقةٍ، فقال له رسول الله : "يا غلام، من أنا؟ " قال: أنتَ رسولُ الله، فقال له: "باركَ الله فيك" ثم إن الغلامَ لم يتكلَّم بعدَها.

قال البيهقي (٢): وقد ذكرَه شيخُنا أبو عبد الله الحافظ، عن أبي الحسن علي بن العباس الورَّاق، عن أبي الفضل أحمد بن خَلَف بن محمد المقري القزويني، عن أبي الفضل العباس بن محمد بن شَاصُونة، به.

قال الحاكم: وقد أخبرني الثقة من أصحابنا، عن أبي عمر الزاهد، قال:

لما دخلتُ اليمنَ دخلتُ حَردَة، فسألتُ عن هذا الحديث فوجدتُ فيها لشاصُونة عَقبًا، وحُملتُ إلى قبره فزرتُه (٣).

قال البيهقي (٤): ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل يُخالفه في وقت الكلام.

ثم أوردَ من حديث وكيع، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه:

أن النبيَّ أُتي بصبي قد شبَّ لم يتكلَّم قط، قال: " من أنا؟ " قال: أنت رسولُ الله (٥).


(١) قصة جريج الإسرائيلي رواها البخاري في صحيحه رقم (١٢٠٦) في العمل في الصلاة ورقم (٣٤٣٦) في أحاديث الأنبياء، ومسلم في صحيحه رقم (٢٥٥٠) في البر والصلة.
(٢) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ٥٩ - ٦٠) وإسناده تألف لوجود رواة مجهولين كما مرَّ في الحديث السابق.
(٣) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ٦٠) وذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (٤/ ٤٤٥). وهذه القصة لا ترفع عن شاصونة الجهالة. وينظر كلام الخطيب على هذا الحديث.
(٤) دلائل النبوة (٦/ ٦٠) وهو مرسل كما ذكر المؤلف والمرسل ضعيف.
(٥) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ٦١) والخبر عند البيهقي والحاكم مرسل، وشمر بن عطية الأسدي الكاهلي الكوفي، =