للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث آخر: ثبت في الصحيحين، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، عن ورقاء بن عمر السكري، عن عبد الله بن يزيد، عن ابن عباس، قال:

أتى رسولُ الله الخلاءَ، فوضعت له وَضُوءًا، فلما خرجَ قال: " من صنع هذا؟ " قالوا: ابنُ عباس، قال: "اللهم فقهه في الدين" (١).

وروى البيهقيُّ عن الحاكم وغيره، عن الأصم، عن عباس الدَّورقي، عن الحسن بن موسى الأشيب، عن زهير، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَيم، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس:

أن رسول الله وضعَ يدَه على كتفي- أو قال: منكبي، شك سعيد- ثم قال: " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل " (٢).

وقد استجاب الله لرسوله هذه الدعوة في ابن عمه، فكان إمامًا يُهتدى بهداه، ويُقتدى بسناه في علوم الشريعة، ولاسيما في علم التأويل وهو التفسير، فإنه انتهت إليه علوم الصحابة قبلَه، وما كان عقَلَه من كلام ابن عمه رسول الله .

وقد قال الأعمش عن أبي الضحى (٣)، عن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشَره أحدٌ منا، وكان يقول لهم: نعم ترجمان القرآن ابن عباس (٤).

هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع وثلاثين سنة، فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة؟

وقد روينا عن بعض أصحابه أنه قال: خطبَ النَّاسَ ابنُ عبَّاسٍ في عشيّة عرفَةَ ففسَّرَ لهم سورةَ البقرة، أو قال سورةً، ففسَّرَها تفسيرًا لو سمعه الروم والترك والديلم لأسلموا (٥). وأرضاه.


(١) رواه البخاري في صحيحه رقم (١٤٣) في الوضوء، ومسلم في صحيحه رقم (٢٤٧٧) في فضائل الصحابة.
(٢) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ١٩٢ - ١٩٣) والحاكم في المستدرك (٣/ ٥٣٤) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٧/ ١٠٠): وهذه اللفظة اشتهرت على الألسنة " اللهم فقهه فيِ الدين، وعلمه التأويل " حتى نسبها بعضهم للصحيحين، ولم يُصب، والحديث عند أحمد بهذا اللفظ من طريق ابن خُثيم عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، وعند الطبراني من وجهين آخرين. وانظر المسند بشرح أحمد شاكر رقم (٣٠٣٣).
(٣) في دلائل البيهقي: عن مسلم بن صُبيح: وهو أبو الضحى. تقريب التهذيب (ص ٥٣٠) ترجمة رقم (٦٦٣٢) طبعة دار الرشيد بحلب ١٤٠٦ هـ.
(٤) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ١٩٣) وهما حديثان عند الحاكم في المستدرك (٣/ ٥٣٧) وصححهما. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (٧/ ١٠٠): وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح، عن ابن مسعود: لو أدرك ابن عباس أسناننا …
(٥) رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح عن أبي وائل، كما رواه أبو نُعيم في الحلية من وجه آخر. فتح الباري (٧/ ١٠٠).