للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إن من كان قبلكم كان أحدُهم يُشقُّ باثنتين، ما يصرفُه ذلك عن دينه، واللّه ليتمّنَّ اللّه هذا الأمرَ ولكنّكم تَستعجلون" (١).

ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري: حَدَّثَنَا محمد بن العلاء، حَدَّثَنَا حمَّادُ بن أسامة، عن بُرَيد بن عبد اللّه بن أبي بُردة، عن أبيه، عن جده أبي بُردة، عن أبي موسى؛ أُراهُ عن النَّبِيّ قال: "رأيتُ في المنام أني أهاجرُ من مكةَ إلى أرضٍ فيها نخلٌ، فذهبَ وَهَلي (٢) إلى أنها اليَمَامةُ أو هَجَرٌ، فإذا هي المدينةُ يَثرب، ورأيتُ في رؤياي هذه أني هززتُ سيفًا فانقطعَ صدرُه، فإذا هو ما أُصيبَ من المؤمنينَ يومَ أُحدٍ، ثم هززتُه أخرى فعادَ أحسنَ ما كان، فإذا هو ما جاءَ به من الفتح واجتماعِ المؤمنينَ، ورأيتُ فيها بَقرًا والله خيرٌ، فإذا هُم المؤمنون يومَ أُحدٍ، وإذا الخيرُ ما جاء اللّه به من الخير وثوابِ الصدقِ الذي آتانا اللّه بعدَ يوم بدر" (٣).

ومن ذلك قصة سعد بن معاذ مع أمية بن خلف حين قدم عليه مكة.

قال البخاري: حَدَّثَنَا أحمدُ بن إسحاق، حَدَّثَنَا عُبيد اللّه بن موسى، حَدَّثَنَا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللّه بن مسعود قال:

انطلقَ سعدُ بن معاذ مُعتمرًا، فنزلَ على أُميّةَ بن خلف، أبي صفوانَ، وكان أميّةُ إذا انطلقَ إلى الشام فمرَّ بالمدينة نزلَ على سعدٍ، فقال أميّةُ لسعدٍ: انتظر حتى إذا انتصفَ النهارُ وغفلَ الناسُ انطلقتَ فطفتَ، فبينما سعدٌ يطوفُ فإذا أبو جهل، فقال: من هذا الذي يطوفُ بالكعبة؛ فقال سعدٌ: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوفُ بالكعبة آمنًا وقد آويتُم محمّدًا وأصحابَه؛ فقال: نعم، فتلاحيا بينهما، فقال أميّةُ لسعدٍ: لا ترفع صوتَك على أبي الحكم فإنه سيّدُ أهل الوادي، ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوفَ بالبيت لأقطعنَّ متجرَك بالشام، قال: فجعلَ أميةُ يقولُ لسعدٍ: لا ترفع صوتَك، وجعل يُمسكه، فغضِبَ سعدٌ فقال: دعنا عنكَ، فإني سمعتُ محمَّدًا يزعمُ أنه قاتلُك، قال: إيايَ؟ قال: نعم، قال: واللّه ما يكذبُ محمّدٌ إذا حدَّثَ، فرجعَ إلى امرأته فقال: أما تعلمينَ ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت: وما قالَ لكَ؛ قال: زعمَ أنه سمعَ محمّدًا يزعمُ أنه قاتلي، قالت: فوالله ما يكذبُ محمّد، قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخُ، قالت له امرأته: أما ذكرتَ ما قالَ لك أخوك اليثربيُّ؟ قال: فأرادَ ألا يخرجَ، فقال له أبو جهل: إنك من أشرافِ الوادي، فسر يومًا أو يومَين، فسارَ معهم فقتلَهُ اللّه (٤).


(١) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٦١٢) في المناقب (باب علامات النبوة).
(٢) "وَهَلي": ظني، يقال: وَهَل إلى الشيء: إذا ذهب وهمه إليه.
(٣) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٦٢٢) في المناقب، ومسلم في صحيحه رقم (٢٢٧٢) في الرؤيا، عن أبي موسى، عن النَّبِيّ من غير شك.
(٤) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٦٣٢) في المناقب.