للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك، عن أبيه (١).

وحكى أحمد بن حنبل، عن سفيان بن عيينة أنه سُئل عن قوله: "ذمةً ورحمًا" فقال: مِن الناس مَن قال: إن أم إسماعيل - هاجر - كانت قبطية، ومن الناس من قال: أم إبراهيم.

قلت: الصحيحُ الذي لا شكَّ فيه أنهما قبطيتان كما قدَّمنا ذلك، ومعنى قوله: "ذمةً" يعني بذلك هديَّة المُقوقس إليه وقبولَه ذلك منه، وذلك نوع ذِمام ومُهادنة، واللّه تعالى أعلم.

وتقدَّم ما رواه البخاريُّ من حديث مُحِلّ بن خليفة، عن عديّ بن حاتم، في فتح كنوز كسرى وانتشار الأمن، وفيضان المال حتى لا يتقبَّلَه أحدٌ، وفي الحديث أن عديًّا شهدَ الفتحَ، ورأى الظعينةَ ترتحلُ من الحيرة إلى مكة لا تخاف إِلَّا اللّه، قال: ولئن طالت بكم حياةُ لترونَّ ما قال أبو القاسم ، من كثرة المال حتى لا يقبلَه أحدٌ.

قال البيهقيُّ: وقد كان ذلك في زمن عمرَ بن عبد العزيز (٢).

قلت: ويُحتمل أن يكون ذلك متأخرًا إلى زمن المَهدي؛ كما جاء في صفته، أو إلى زمن نزول عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال، فإنه قد ورد في الصحيح (٣) أنه يقتلُ الخِنزيرَ، ويكسرُ الصليبَ، ويفيضُ المالُ حتى لا يقبلَه أحدٌ، واللّه تعالى أعلم.

وفي صحيح مسلم من حديث ابن أبي ذِئب، عن مُهاجر بن مِسمَار، عن عامر بن سعد، عن جابر بن سَمُرة قال: سمعتُ رسول الله يقول: "لا يزالُ هذا الدينُ قائمًا ما كان اثنا عشرَ خليفة كلّهم من قريش، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة، وليفتحنَّ عصابةٌ من المسلمين كنزَ القصر الأبيض، قصر كسرى، وأنا فَرَطُكم على الحوض" الحديث بمعناه (٤).

وتقدم حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همَّام، عن أبي هريرة، مرفوعًا: "إذا هلكَ قيصرُ فلا


(١) رواه البيهقيّ في "دلائل النبوة" (٦/ ٣٢٢) وهو حديث صحيح يشهد له حديث مسلم المتقدم.
(٢) دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ٣٢٣).
(٣) رواه مسلم في صحيحه رقم (١٥٥) في الإيمان، وهو عند أحمد (٢/ ٤٩٣) وابن حبان في صحيحه (١٥/ ٢٢٨) رقم (٦٨١٦).
(٤) الحديث رواه مسلم في صحيحه رقم (١٨٢٢) في الإمارة، عن جابر بن سمرة؛ قال: سمعتُ رسولَ اللّه يقول: "لا يزال الدينُ قائمًا حتى تقومَ الساعةُ. أو يكونَ عليكم اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش وسمعته يقول: "عُصَيْبةٌ من المسلمين يفتتحون البيتَ الأبيضَ، بيتَ كسرى، أو آل كسرى". وسمعته يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم" وسمعته يقولُ: "إذا أعطى الله أحدَكم خيرًا فليبدأ بنفسِه وأهل بيته" وسمعته يقول: "أنا الفَرَطُ على الحوض" وهو في دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ٣٢٤) والحافظ ابن كثير ذكره بمعناه من رواية البيهقيّ.