للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذُكرَ أنَّ قومَ صالح كانت أعمارُهم طويلةً، فكانوا يبنون البيوتَ من المدر (١)، فتخربُ قبلَ موتِ الواحد منهم، فنحتوا لهم بيوتًا في الجبال.

وذكروا أنَّ صالحًا لما سألوه آيةً، فأخرجَ اللّه لهم النَّاقةَ من الصَّخرة، أمرهم بها وبالولد الذي كان في جَوْفها، وحذَّرَهم بأسَ اللّه إن هم نالوها بسوء، وأخبرَهم أنهم سيعقرونها، ويكونُ سببُ هلاكهم ذلك، وذكرَ لهم صفةَ عاقرها، وأنَّه أحمرُ أزرقُ أصْهبُ، فبعثوا القوابلَ في البلد، متى وجدوا مولودًا بهذه الصِّفة يقتلنَّه، فكانوا على ذلك دهرًا طويلًا، وانقرضَ جيلٌ وأتى جيلٌ آخر.

فلمَّا كان في بعضِ الأعصارِ، خطبَ رئيسٌ من رُؤسائهم على ابنه بنتَ آخرَ مثله في الرياسة، فزوَّجه، فولدَ بينهما عاقرُ النَّاقة، وهو قُدَار بن سَالف، فلم تتمكَّن القوابلُ من قتله، لشرفِ أبويْه وجدَّيْه فيهم، فنشأ نشأةً سريعةً، فكان يشبُّ في الجمعة كما يشبُّ غيرُه في شَهْرٍ، حتى كان منْ أمره أن خرجَ مُطاعًا فيهم رئيسًا بينهم، فسوَّلت له نفسُه عَقْرَ النَّاقةِ، واتَّبعه على ذلك ثمانية من أشرافِهم، وهم التسعة الذين أرادوا قتلَ صالح .

فلمَّا وقع من أمرِهم ما وقعَ من عَقْرِ النَّاقة، وبلغَ ذلك صالحًا ، جاءهم باكيًا عليها، فتلقَوه يعتذرون إليه، ويقولون: إن هذا لم يقعْ عن ملأٍ منا، دمانما فعل هذا هؤلاء الأحداث فينا، فيُقال: إنه أمرَهم باستدراكِ سَقْبها (٢) حتى يُحسنوا إليه عوضًا عنها، فذهبوا وراءَه، فصعدَ جبلًا، فلما تصاعدوا فيه وراءَه، تعالى الجبلُ حتى ارتفعَ فلا ينالُه الطَّيْرُ، وبكى الفصيلُ، حتى سالت دموعه.

ثم استقبلَ صالحًا ، ودعا ثلاثًا، فعندها قالَ صالح: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] وأخبرَهم أنَّهم يُصبحون من غَدِهم صُفْرًا، ثم تَحْمَرُّ وجوههم في الثاني، وفي اليوم الثالث تَسْوَدُّ وجوههم، فلما كان في اليوم الرابع أتتهم صَيْحةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ، فأخذتْهم فأصبحوا في دارهم جاثمين.

وفي بعض هذا السياق نظرٌ ومخالفةٌ لظاهر ما يُفهم من القرآن في شأنهم وقصتهم، كما قدَّمنا، والله أعلم بالصواب.

* * *


(١) المدر: الطين.
(٢) سَقبها: السَّقْب: ولد الناقة.