للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا موضعَ قَدْرِ الدِّرهم من جسده، وأنه بَارٌّ بأُمِّه، وأمرُه لعمرَ بن الخطاب أن يستغفرَ له، وقد وُجد هذا الرجل في زمان عمرَ بن الخطَّاب على الصفة والنعت الذي ذكرَه في الحديث سواء. وقد ذكرتُ طرقَ هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطوَّلًا في الذي جمعته من مسند عمر بن الخطاب ، وللّه الحمد والمنة.

ومن ذلك ما رواه أبو داود: حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا وكيع، حَدَّثَنَا الوليد بن عبد اللّه بن جُميع، حدَّثني جرير بن عبد اللّه. وعبد الرحمن بن خَلَّاد الأنصاري، عن أم ورقة بنت نوفل؛ أنَّ رسولَ الله لما غزا بدرًا قالت: يا رسول اللّه! ائذنْ لي في الغزو معكَ، أُمرِّضُ مرضاكم، لعل اللّه يرزقني الشهادة، فقال لها: "قرِّي في بيتك فإنَّ الله يرزقكِ الشهادةَ (١) " فكانت تسمَّى الشهيدة، وكانت قد قرأتِ القرآن، فاستأذنت النَّبِيَّ أن يتخذ في دارها (٢) مؤذنًا يُؤذن لها، وكانت دَبَّرت غلامًا لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغمَّاها (٣) في قطيفةٍ لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر، فقام في الناس وقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فجيء بهما، فأمر بهما فصُلبَا، فكانا أَوَّلَ مصلوبين بالمدينة. وقد رواه البيهقيّ: من حديث أبي نُعيم: حَدَّثَنَا الوليد بن جُميع، حدَّثَتني جدَّتي، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، فكان رسولُ الله يزورُها ويُسمِّيها الشهيدة، فذكر الحديث، وفي آخره فقال عمر: صدقَ رسولُ الله كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدةَ" (٤).

ومن ذلك ما رواه البخاري (٥): من حديث أبي إدريس الخَوْلاني، عن عَوْف بن مالك في حديثه عنه، في الآيات الست بعد موته، وفيه: "ثم مُوتانٌ يأخذ (٦) فيكم كقُعاص (٧) الغنم" وهكذا وقع في أيام عمرَ، وهو طاعون عمَواس سنة ثماني عشرة، ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة، منهم معاذ بن جبل، وأبو عُبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وشُرحبيل بن حَسَنة، وأبو جندل بن سهل بن عمرو وأبوه، والفَضْل بن العبَّاس بن عبد المطلب، أجمعين.

وقد قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا وكيع، حَدَّثَنَا النَّهَّاسُ بن قَهْم، حَدَّثَنَا شدَّاد أبو عمَّار، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله : سِتٌّ من أشراط الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس، وموتٌ يأخذ


(١) رواه أبو داود في سننه رقم (٥٩١) في الصلاة، وإسناده ضعيف.
(٢) كذا في الأصل وفي المطبوع: أن تتخذ في بيتها.
(٣) "فغمَّاها": أي: وضعا فوق رأسها قطيفة أو وسادة وخنقاها.
(٤) رواه البيهقيّ في دلائل النبوة (٦/ ٣٨١ - ٣٨٢)، ورواه الإمام أحمد في المسند (٦/ ٤٠٥) وأبو داود رقم (٥٩٢) وإسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن خلاد، وجدة الوليد بن عبد اللّه بن جميع، فضلًا عن اضطراب الوليد بن جميع فيه.
(٥) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣١٧٦) في الجزية والموادعة.
(٦) في نسخة: يأخذكم.
(٧) في نسخة: كعقاع. والتصحيح من الأصل والبخاري. القُعَاص: داءٌ يأخذُ الغنم، لا يُلبثُها أن تموتَ.