للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعدما روى من طريق هشام بن عمَّار، عن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن ابن عباس، قال: وُلد إبراهيم بغوطةِ دمشقَ في قريةٍ يُقال لها: برزة. في جبل يُقال له: قاسيون. ثم قال: والصحيحُ أنه وُلد ببابل. وإنما نسب إليه هذا المقام لأنَه صلَّى فيه إذ جاءَ مُعينا للوط .

قالوا: فتزوَّج إبراهيمُ سارَة، وناحور ملكا ابنة هاران، يعنون بابنة أخيه.

قالوا: وكانت سارَةُ عاقرًا لا تلد. قالوا: وانطلقَ تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارَة وابن أخيه لوط بن هاران، فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين، فنزلوا حرَّان، فمات فيها تارخ وله مئتان وخمسون سنة، وهذا يدلُّ على أنه لم يُولد بحرَّان، وإنما مولده بأرض الكلدانيين، وهي أرضُ بابلَ وما والاها.

ثم ارتحلوا قاصدينَ أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فاقاموا بحرَّان، وهي أرضُ الكلدانيين (١) في ذلك الزمان، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضًا، وكانوا يعبدون الكواكبَ السبعة.

والذين عمروا مدينةَ دمشق كانوا على هذا الدِّين، يستقبلونَ القطبَ الشمالي، ويعبدون الكواكبَ السبعةَ بأنواع من الفِعال والمقال، ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشقَ السبعة هيكلٌ لكوكبٍ منها، ويعملونَ لها أعيادًا وقرابينَ.

وهكذا كانَ أهلُ حرَّان يعبدونَ الكواكبَ والأصنامَ، وكلُّ من (٢) على وجه الأرض كانوا كفَّارًا، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط .

وكان الخليلُ هو الذي أزالَ اللّه به تلك الشرور، وأبطلَ به ذاك الضلال، فإن اللّه آتاه رشدَه في صِغَره، وابتعئه رسولًا، واتَّخذه خليلًا في كِبَره، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١] أي: كان أهلًا لذلك. وقال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ


(١) كذا في أ وب، وفي المطبوع: الكشدانيين.
(٢) كذا في أ وب: وفي المطبوع: وكلُّ من كان.