للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجُو أَنْ أكونَ أكثَرهم تابعًا يومَ القيامة" (١). والمعنى أن كل نبي قد أوتي من خوارق العادات ما يقتضي إيمان من رأى ذلك من أُولي البَصائر والنُهى، لا من أهل العِناد والشقاء، وإنما كان الذي أُوتيه، أي: جلُّه وأعظمُه وأبهرُه، القرآن الذي أوحاه الله إليه، فإنه لا يبيدُ ولا يذهبُ كما ذهبت معجزات الأنبياء وانقضت بانقضاء أيامهم، فلا تُشاهد، بل يخبر عنها بالتواتر والآحاد، بخلاف القرآن العظيم الذي أوحاه الله إليه فإنه معجزة متواترة عنه، مستمرة دائمة البقاء بعده، مسموعة لكل من ألقى السمع وهو شهيد.

وقد تقدَّم في الخصائص ذكر ما اختصَّ به رسولُ الله : عن بقية إخوانه من الأنبياء ، كما ثبت في الصحيحين: عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله : "أُعطيتُ خمسًا لم يُعطهن أحد قبلي، نصرتُ بالرُّعْب مسيرةَ شهر، وجُعلتْ ليَ الأرضُ مسجدًا وطَهُورًا، فأيما رجل مِن أمتي أدركته الصَّلاة فليُصَل، وأُحِلَّتْ لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأُعطِيت الشفاعة، وكان النبيُّ يُبعثُ إلى قومه، وبُعثت إلى الناس عامة" (٢). وقد تكلَّمنا على ذلك وما شاكلَه فيما سلفَ بما أغنى عن إعادته وللّه الحمد.

وقد ذكرَ غيرُ واحد من العلماء أنَّ كلَّ معجزة لنبي من الأنبياء فهي في الحقيقة معجزة لخاتمهم محمد ، وذلك أن كلًّا منهم بَشّر بمبعثه، وأمر بمتابعته، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨١ - ٨٢] وقد ذكرَ البخاريُّ وغيره عن ابن عباس أنه قال: ما بعثَ الله نبيًا من الأنبياء إلا أخذَ عليه العهدَ والميثاق لئن بُعثَ محمد وهو حيٌّ لَيؤمِنُن به وليتبعنَه ولينصرنَّه، وأمره أن يأخذ العهد على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه (٣).

وذكر غير واحد من العلماء أن كرامات الأولياء معجزات للأنبياء، لأن الولي إنما نالَ ذلك ببركة متابعته لنبيّه، وثواب إيمانه به.

والمقصود أنه كان الباعث لي على عقد هذا الباب أنِّي وقفتُ على مولد اختصرَه من سيرة الإمام محمد بن إسحاق بن يَسار وغيرها شيخنا الإمام العلَّامة شيخ الإسلام كمال الدين أبو المَعالي محمَّدُ بن


(١) رواه البخاري في فضائل القرآن (٤٩٨١) والاعتصام (٧٢٧٣) ومسلم في الايمان (١٥٢) (٢٣٩).
(٢) رواه البخاري في التيمم (٣٣٥) ومسلم في المساجد (٥٢١) (٣).
(٣) ليس عند البخاري، وقد رواه المصنف في تفسيره عن علي وابن عباس من قولهما. ولم يسنده إلى البخاري.