للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالكَ، ويحَك؟ فأخبرَهم بما رأى. وقال النبي : "لو تقدَّمَ لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا".

وكذلك لما خرجَ رسولُ الله ليلة الهجرة وقد أرصدوا على مدرجته وطريقه، وأرسلوا إلى بيته رجالًا يحرسونه لئلا يخرجَ، ومتى عاينوه قتلوه، فأمرَ عليًّا فنامَ على فراشه، ثم خرجَ عليهم وهم جلوس، فجعل يذرُّ على رأس كلِّ إنسان منهم ترابًا، ويقول: "شاهتِ الوجود (١) " ثم خرجَ ولم يروه، حتَّى صارَ هو وأبو بكر الصِّدِّيق إلى غار ثَورٍ، كما بسطنا ذلك في السيرة.

وكذلك ذكرنا أن العنكبوت سدَّ على باب الغار؛ ليُعَمِّيَ الله عليهم مكانَه، وفي الصحيح: أنَّ أبا بكر قال: يا رسولَ الله! لو نظرَ أحدُهم إلى موضع قدميه لأبصرنَا، فقال: "يا أبا بكر! ما ظنَّك باثنين الله ثالثهما؟ " (٢) وقد قال بعض الشعراء في ذلك:

نَسجُ داودَ ما حَمَى صاحِبَ الغا … رِ وَكانَ الفَخَارُ لِلعَنْكَبُوتِ

وكذلك حُجبَ ومُنعَ مِن سراقةَ بن مالكِ بن جُعشُم حين اتَّبعَهم، بسقوط قوائم فرسه في الأرض، حتى أخذ منه أمانًا، كما تقدَّم بَسطُه في الهجرة.

وذكر ابنُ حامدٍ في كتابه في مقابلة إضجاع إبراهيم ولدَه للذبح مُستسلمًا لأمر الله تعالى، ببذل رسول الله نَفسَه للقتل يومَ أُحد وغيره حتَّى نالَ منه العدو ما نالوا، من هَشم رأسه، وكَسْر ثنيَّته اليُمنى السُّفلى، كما تقدَّم بسطُ ذلك في السيرة.

ثم قال: قالوا كان إبراهيمُ ألقاه قومُه في النَّار فجعلَها الله بردًا وسلامًا، قلنا: وقد أُوتي رسولُ الله مثلَه، وذلك أته لما نزل بخيبر سمَّته الخيبريةُ، فصيَّر ذلك السُّمَّ في جوفه بردًا وسلامًا إلى مُنتهى أجلهِ، والسُّمُّ يحرقُ إذ يستقرُّ في الجوف - كما تحرقُ النَّارُ. قلت: وقد تقدَّمَ الحديثُ بذلك في فتح خيبرَ، يُؤَيِّدُ ما قالَه أن بِشْرَ بن البَراء بن مَعرور مات سريعًا من تلك الشاة المسمومة، وأخبرَ ذراعُها رسولَ الله بما أُودعَ فيه من السُّمِّ، وكان قد نَهَشَ منه نَهْشَة، وكان السُّمُّ فيه أكثر، لأنهم كانوا يفهمون أنه يُحبُّ الذراعَ، فلم يَضرَّه السُّمُّ الذي حصلَ في باطنه بإذن الله ﷿، حتى انقضى أجلُه ، فذكرَ أنَّه وجدَ حينئذٍ من ألمِ ذلك السُّمَّ الذي كان في تلك الأكلة .

وقد ذكرنا في ترجمة خالد بن الوليد المَخزوميِّ، فاتحِ بلاد الشَّام، أنه أُتي بسُمٍّ فحثاه بحضرة الأعداء ليرهبَهم بذلك، فلم يرَ بأسًا، .

ثم قال أبو نُعيم: فإن قيل: فإن إبراهيمَ خصمَ نمروذَ ببرهان نُبوَّتِه فَبَهَتَه، قال الله تعالى: ﴿فَبُهِتَ


(١) في السيرة النبوية؛ لابن هشام (١/ ٦٢٨) أن النبيَّ قال ذلك في غزوة بدر.
(٢) رواه أحمد في المسند (١/ ٤) والبخاري في صحيحه (٣٦٥٣) في فضائل الصحابة، ومسلم في صحيحه (٢٣٨١) في فضائل الصحابة.