للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن داود أثنى على ربه فقال: الحمدُ للّه الذي جعلني ملكًا، وأنزل علي الزبور، وألان لي الحديد، وسخَّر لي الجبال يُسبِّحنَ معي والطَّيرَ، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب.

ثم إن سليمان أثنى على ربِّه فقال: الحمدُ للّه الذي سخَّر لي الرياح والجِن والإنس، وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئتُ من محاريبَ وتماثيلَ وجِفَانٍ كالجَواب وقدور راسيات، وعلَّمني منطقَ الطير، وأسالَ لي عَينَ القِطْر، وأعطاني ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي.

ثم إن عيسى أثنى على الله ﷿ فقال: الحمدُ لله الذي علَّمني التوراة والإنجيل، وجعلني أُبرئُ الأكمَه والأبرصَ وأُحيي الموتى بإذن الله، وطهَّرني ورفعَني من الذين كفروا، وأعاذني من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل.

ثم إنَّ محمدًا أثنى على ربه فقال: كلُّكُم أثنى على ربِّه، وأنا مُثنٍ على ربِّي، الحمدُ لله الذي أرسلني رحمةً للعالمين، وكافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وأنزلَ عليَّ الفُرقان فيه بيان لكل شيء، وجعلَ أمتي خير أمة أُخرجت للناس، وجعل أمتي أُمَّةً وسطًا، وجعل أُمَّتي هم الأوَّلون وهم الآخرون، وشرحَ لي صدري، ووضعَ عنِّي وزري، ورفعَ لي ذِكري، وجعلني فاتحًا وخاتمًا.

فقال إبراهيم : بهذا فَضَلَكم محمد " (١).

ثم أورد الحديثَ المتقدم، فيما رواه الحاكم والبيهقي، من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطَّاب، مرفوعًا في قول آدم: "يا ربِّ أسألُكَ بحقِّ محمَّد إلا غفرتَ لي، فقال الله: وما أدراكَ ولم أَخلُقه بعدُ؟ فقال: لأني رأيتُ مكتوبًا مع اسمك على ساقِ العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعرفتُ أنَّكَ لم تُضفْ إلى اسمِكَ إلا أحبَّ الخلق إليكَ، فقال الله: صدقتَ يا آدمُ، ولولا محمد ما خلقتُكَ" (٢).

وقال بعضُ الأئمة: رفعَ الله ذكرَه، وقرَنه باسمه في الأوَّلين والآخرين، وكذلكَ يرفعُ قدرَه، ويقيمُه مقامًا مَحمُودًا يومَ القيامة، يغبطُه به الأوَّلُون والآخِرون، ويرغبُ إليه الخلق كلُّهم حتى إبراهيم الخليل، كما وردَ في صحيح مسلم (٣) فيما سلفَ، وسيأتي أيضًا.

فأما التنويه بذكره في الأمم الخالية، والقرون السابقة، ففي صحيح البخاري (٤): عن ابن عباس


(١) رواه ابن جرير في تفسيره (٨/ ٧ - ١١) وذكره ابن كثير في تفسير مطلع سورة الإسراء (٣/ ٢٥ - ٢٦).
(٢) رواه البيهقي في الدلائل (٢/ ٣٩٧ - ٤٠٢) والحاكم في المستدرك (٢/ ٦١٥) وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي فقال: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ.
(٣) رواه مسلم في صحيحه (١٩٤) (٣٢٧) في الإيمان.
(٤) ذكره المؤلف في التفسير (١/ ٤٦٣) عن علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس ، ولم يعزه، ولم أجده في البخاري في صحيحه، ولعله في التاريخ.