للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المُسْلمين، وهم نازلونَ ببعضِ بلادِه ينتظرون قدومَ خالدٍ كما سيأتي، فبعث (١) إليها يستأمنُها ويضمنُ لها أن يعطيها نصفَ الأرضِ الذي كان لقريشٍ لو عدلَتْ، فقد ردَّهُ الله عليك فحباك به، ورأسلها ليجتمعَ بها في طائفةٍ من قومه، فركبَ إليها في أربعينَ من فومِه، وجاء إليها فاجتمعا في خيمةٍ، فلما خلا بها وعرضَ عليها ما عرضَ من نصف الأرضِ، وقبلت ذلك. قال مسيلمة: سمعَ الله لمن سمعْ، وأطمعَهُ بالخير إذا طمعْ، ولا يزالُ أمرُه في كل ما يسر مجتمعْ، رآكم ربكم فحيّاكُمْ، ومن وحشته أخلاكمْ، ويوم دينه أنجاكم فأحياكم، علينا من صلواتِ معشر أبرارْ، لا أشقياء ولا فجَّار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربكم الكبار، ربِّ الغيوم والأمطار.

وقال أيضًا: لما رأيتُ وجوههم حسنتْ، وأبشارهم صفتْ، وأيديهم طَفُلَتْ (٢)، قلت لهم: لا النساءَ تأتونْ، ولا الخمر تشربونْ، ولكنكم معشرٌ أبرارٌ تصومونْ، فسبحان الله إذا جاءتِ الحياةُ كيف تَحْيَون، وإلى ملك السماء كيف تَرْقَوْن. فلو أنها حبةُ خردلةٍ لقام عليها شهيدٌ يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور (٣).

وقد كان مسيلمةُ لعنه الله شرعَ لمن اتبعه أن الأعزب يتزوج فإذا ولد له ذكر فيحرم عليه النساء حينئذ، إلا أن يموت ذلك الولد الذكر، فتحل له النساء حتى يولد له ذكر، هذا مما إقترحه لعنه الله، من تلقاء نفسه.

ويقال: إنه لما خلا بسَجاحِ سألها ماذا يُوحَى إليها؟ فقالت: وهل يكونُ النساءُ يبتدئن؟ بل أنت ماذا أوحيَ إليك؟ فقال: ألم ترَ إلى ربّك كيف فَعَلَ بالحُبْلى؟ أخرج منها نسمةً تَسْعى، من بين صفاقٍ (٤) وحشًا. قالت: وماذا؟ فقال: إنَّ اللهَ خلقَ للنساء أفراجًا (٥)، وجعلَ الرجالَ لهن أزواجا، فنولج فيهن قَعْسًا (٦) إيلاجًا، ثم نخرجها إذا نشاء إخراجًا، فينتجن لنا سخالًا إنتاجًا. فقالت: أشهد أنك نبيٌّ؛ فقال لها: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العربَ؟ قالت: نجم، فقال: [من الهزج]

ألا قومي إلى النَّيْكِ … فقدَ هُيِّءْ لَكِ المَضْجَعْ

فَإنْ شِئْتِ فَفِي البَيْتِ … وإنْ (٧) شِئْت ففي المَخْدَعْ

وإنْ شِئْتِ سَلْقنَاكِ … وَإنْ شِئْتِ عَلَى أرْبَعَ


(١) في المطبوع: فبعثني؛ خطأ. وما هنا للسياق.
(٢) طَفُل: صار ناعمًا. اللسان (طفل).
(٣) الثبور: الهلاك والويل. القاموس (ثبر).
(٤) الصِّفاق: ككتاب: الجلد تحت الجلد الذي عليه الشعر، وجلد البطن كله. القاموس (صفق).
(٥) الأفراج كما يبدو جمع فرج، قال ابن منظور: الفرج والجمع فروج، لا يُكسَّر على غير ذلك. اللسان (فرج).
(٦) القَعْس في المعاجم العربية: الناتئ، والمعنى المقصود هنا لم يرد فيها لأنه مجاز يفهم من السياق.
(٧) في ط: إن؛ ولا يستقيم الوزن بها، وما هنا للوزن العروضي.