للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينها أن ابتداءها في سنة إحدى عشرة، والفراغ منها في سنة ثنتي عشرة، والله أعلم.

ولما قدمت (١) وفود بني حنيفة على الصدّيق قال لهم: أسمعونا شيئًا من قرآن مسيلمة، فقالوا: أو تعفينا يا خليفةَ رسول الله. فقال: لا بدَّ من ذلك، فقالوا: كان يقول: يا ضفدعُ بنتَ الضِّفْدعين نِقِّي لكمْ تَنِقّين، لا الماءَ تكدّرين، ولا الشاربَ تمنعين، رأسُكِ في الماء، وذنبُكِ في الطين، وكان يقول: والمُبْذراتِ زَرْعًا، والحاصِداتِ حَصْدًا، والذاريات قَمْحًا، والطَّاحنات طَحْنًا، والخَابزاتِ خبزًا، والثّارداتِ ثَرْدًا، واللَّاقمات لقمًا، إهالةً (٢) وسمنًا، لقد فضلتُمْ على أهل الوَبَر، وما سبَقَكُمْ أهل المَدَر، رفيقكم فامنعوه، والمُعْتَرّ (٣) فآووه، والنّاعي فواسوه.

وذكروا أشياءَ من هذه الخرافات التي يأنف من قولها الصبيان وهم يلعبون، فيقال: إن الصّدّيق قال لهم: ويحكم، أينَ كانَ يذهبُ بقولكم؟ إن هذا الكلام لم يخرج من إلٍّ (٤).

وكان يقول: والفيل وما أدراك ما الفيل، له زلوم (٥) طويل، وكان يقول: والليل الدامسِ، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطبٍ ولا يابس. وتقدم قوله: لقد أنعمَ اللهُ على الحُبْلى، أخرج منها نَسْمةً تَسْعى، من بين صفاق وحشى، وأشياء من هذا الكلام السخيف الركيك البارد السميج.

وقد أورد أبو بكر بن الباقلاني (٦) في كتابه إعجاز القرآن أشياء من كلام هؤلاء الجَهَلة المُتَنبئين كمُسيلمة وطُلَيْحة والأسود وسَجاحِ وغيرهم، مما يدل على ضعفِ عقولهم وعقولِ من اتَّبعهم على ضلالهم ومحالهم.

وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفدَ إلى مُسَيْلمة في أيّام جاهليته، فقال له مُسيلمةُ: ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغةً، فقال: وما هي؟ قال: أنزل عليه ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ١ - ٣] قال: ففكَّر مسيلمةُ ساعةً ثم رفعَ رأسه فقال: ولقد أُنزلَ عليَّ مثلها، فقال له عمرو:


(١) خبر الوفد في تاريخ الطبري (٣/ ٣٠٠).
(٢) "الإهالة": ما أذبت من الشحم، وقيل: الإهالة: الشحم والزيت، وقيل: كل دهن أو تدم به إهالة، والإهالة: الودك. اللسان (أهل).
(٣) "المُعْترّ": الفقير، وقيل المتعرض للمعروف من غير أن يسأل. اللسان (عرر).
(٤) في حديث أبي بكر لما عرض عليه سجع مسيلمة - إن هذا لم يخرج من إل: أي من ربوبية. وقيل: الإلّ: الأصل الجيد أي لم يجئ من الأصل الذي جاء منه القرآن. وقيل: الإلّ: النسب والقرابة، فيكون المعنى: هذا كلام غير صادر من مناسبة الحق والإدلاء بسبب بينه وبين الصّديق. النهاية (١/ ٦١).
واللسان (ألل).
(٥) "زلوم": يقصد خرطوم الفيل، والزلمة تكون للمعزى في حلوقها متعلقة كالقرط. اللسان (زلم).
(٦) إعجاز القرآن (٢٣٨ - ٢٣٩) دار المعارف بمصر.