للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله، وأنتَ أفضلُنا وسيِّدنا، وثَبَتوا على إسلامهم، وتركُوا بقيةَ الناس فيما هم فيه (١).

وبعث الصديق كما قدمنا إليهم العلاءَ بن الحَضْرمي، فلما دَنَا من البحرين جاءَ إليه ثُمامة بن أُثال في مَحْفلٍ كبيرٍ، وجاء كل أمراءَ تلك النواحي فانضافوا إلى جيشِ العلاءَ بن الحَضْرمي، فأكرمهم العلاءُ ورَحَّب (٢) بهم وأحسنَ إليهم، وقد كان العلاء من ساداتِ الصحابةِ العلماءِ العُبَّادِ مجابي الدعوة، اتَّفَقَ له في هذه الغزوة أنه نزلَ منزلًا فلم يستقر الناسُ على الأرض حتى نَفَرتِ الإبلُ بما عليها من زادِ الجيش وخيامهم وشرابهم، وبقوا على الأرض ليس معهم شيءٌ سوى ثيابهم - وذلك ليلًا - ولم يقدروا منها على بعيرٍ واحدٍ، فركبَ الناسَ من الهمِّ والغم ما لا يُحدُّ ولا يُوصفُ، وجعلَ بعضُهم يوصي إلى بعض، فنادى منادي العلاء، فاجتمعَ الناسُ إليه، فقال: أيها الناسُ ألستم المسلمين؟ ألستُم في سبيل الله؟ ألستُم أنصارَ الله؟ قالوا: بلى، قال: فأبشروا فواللهِ لا يخذل اللهُ منْ كانَ في مثل حالكم، ونُودي بصلاةِ الصبحِ، حين طلعَ الفجرُ فصلَّى بالناس، فلما قضى الصلاةَ جثا على رُكبتيه وجثا الناسُ، ونصبَ في الدعاء ورفع يديه وفعلَ الناسُ مثله حتى طلعتِ الشمسُ، وجعلَ الناسُ ينظرون إلى سراب الشمس يلمعُ مرةً بعد أخرى، وهو يجتهدُ في الدعاء فلما بلغَ الثالثةَ إذا قد خلق الله إلى جانبهم غديرًا عظيمًا من الماءَ القَراح، فمشى ومشى الناسُ إليه فشربوا واغتسلوا، فما تعالى النهارُ حتى أقبلتِ الإبل من كلّ فجٍّ بما عليها، لم يفقدِ الناسُ من أمتعتهم سِلْكًا (٣)، فَسَقوا الإبلَ عَللًا بعد نَهل. فكان هذا مما عاينَ الناس من آيات الله بهذه السرية.

ثم لما اقترب من جيوش المرتدة - وقد حشدوا وجمعوا خلقًا عظيمًا - نزل ونزلوا، وباتوا مُتجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمعَ العلاءُ أصواتًا عاليةً في جيشِ المُرْتدين، فقال: منْ رجلٌ يكشفُ لنا خبرَ هؤلاء؟ فقام عبدُ الله بن حذف فدخل فيهم فوجدهم سُكارى لا يعقلون من الشراب، فرجعَ إليه فأخبره، فركبَ العلاءُ من فَوْره والجيشُ معه فكبسوا أولئك فقتلوهم قتلًا عظيمًا، وقل منْ هربَ منهم، واستولى على جميعِ أموالهم وحواصلهم وأثقالهم، فكانت غنيمةً عظيمةً جسيمةً.

وكان الحطم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة من سادات القوم نائمًا، فقامَ دَهِشًا حين اقتحمَ المسلمون عليهم، فركبَ جوادَهُ فانقطع ركابُه فجعلَ يقولُ: منْ يُصْلح لي ركابي؟ فجاءَ رجلٌ من المسلمين في الليل فقال: أنا أصلحُها لك، ارفع رجلك، فلما رفعها ضربه بالسيف فقطعها مع قدمه، فقال له: أجْهِزْ عليَّ، فقال: لا أفعل، فوقعَ صريعًا كلما مرَّ به أحدٌ يسأله أن يقتلَه فيأبى، حتى مرَّ به قيسُ بن عاصم فقال له: أنا الحطم فاقتلني فقتله، فلما وجدَ رجلَه مقطوعة ندمَ على قتله وقال: واسوأتاه، لو أعلمُ ما به لم أحرِّكْهُ.


(١) الخبر في تاريخ الطبري (٣/ ٣٠٢).
(٢) في ط: "وترحب" خطأ، فلا وجود لهذا الفعل في العربية.
(٣) "السِّلكة": الخيط الذي يخاط به الثوب، وجمعه سِلْك وسلُوك وأسلاك. اللسان (سلك).