للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويلك، أتخوّفني بالروم؟ وإنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر برأ من توجعه، وأنهم أضعفوا في العدد - وكان فرسه قد حفا واشتكى في مجيئه من العراق - ولما تقارب الناس تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن هشام، وأبو جندل بن سهيل، ونادوا: إنما نريد أميركم لنجتمع به، فأذن لهم في الدخول على تذارق، صبهاذا هو جالسٌ خيمةٍ من حرير. فقال الصحابة: لا نستحلُّ دخولها، فأمرَ لهم بفرشِ بسطٍ من حرير، فقالوا: ولا نجلس على هذه. فجلس معهم حيث أحبُّوا وتراضوا على الصلح، ورجع (١) عنهم الصحابة بعد ما دعوهم إلى الله ﷿ فلم يتم ذلك.

وذكر الوليد بن مسلم: أن باهان طلب خالدًا ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحةٍ لهم فقال باهان: إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهدُ والجوعُ، فهلموا إلى أن أعطي كلَّ رجلٍ منكم عشرةَ دنانير وكسوةً وطعامًا وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل (٢) بعثنا لكم بمثلها، فقال خالد: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنّا قومٌ نشربُ الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دمَ أطيبُ من دم الروم، فجئنا لذلك. فقال أصحاب باهان: هذا والله ما كنا نُحدِّثُ به عن العرب قالوا: ثم تقدَّم خالد إلى عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو - وهما على مَجْنبتي القلب - أن ينشبا القتال، فبدرا يرتجزان ودَعوا إلى البراز، وتنازل الأبطال، وتجاولوا، وحمي الحرب، وقامت على ساقٍ. هذا وخالدٌ مع كردوس من الحماة (٣) الشجعان الأبطال بين يدي الصفوف، والأبطال يتصاولون من الفريقين بين يديه، وهو ينظر ويبعث إلى كل قوم من أصحابه يما يعتمدونه من الأفاعيل، ويدبر أمر الحرب أتم تدبير.

وقال إسحاق بن بشير (٤): عن سعيد بن عبد العزيز، عن قدماء مشايخ دمشق، قالوا:

ثم زحف باهان فخرج أبو عبيدة، وقد جعل على المَيْمنة مُعاذَ بن جَبَلٍ، وعلى المَيْسرة قُباثَ بن أشْيم الكناني، وعلى الرجَّالة هاشم بن عتبة (بن أبي وقاص)، وعلى الخيل خالد بن الوليد، وخرج الناس على راياتهم، وسار أبو عبيدة بالمسلمين، وهو يقول: عبادَ الله انصروا الله ينصرُكم ويُثبِّتْ أقدامَكُم، يا معاشرَ المسلمين أصبْروا فإنَّ الصبرَ منجاةٌ من الكفر، (ومرضاة للرب)، ومدحضةٌ للعار، ولا تبرحوا مصافَّكُم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم بالقتال، وأشرِعوا الرماح، واستتروا بالدرق، والزموا الصمتَ إلا من ذِكْر الله.

وخرج معاذ بن جَبَل فجعل يُذكِّرهم، ويقول: يا أهلَ القرآن، ومستحفظي الكتاب، وأنصار الهدى والحق، إنَّ رحمةَ الله لا تُنال، وجنَّته لا تُدْخلُ بالأماني، ولا يُؤْتي اللهُ المغفرة والرحمة الواسعة إلا


(١) في أ: ورجعوا؛ على لغة - أكلوني البراغيث - وهي لغة مفضولة.
(٢) في أ: العام القابل.
(٣) في أ: من الجماعة.
(٤) الخبر في تاريخ دمشق - ترجمة عمر - (٥٣٧).