للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(أقدامهم)، وأرعب قلوبهم، وأنزل علينا السكينة، وألزمنا كلمة التقوى، وحبِّبْ إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء. وخرج باهان فأمر صاحب الميسرة وهو الديريجان، وكان عدو الله متنسكًا فيهم، فحمل على الميمنة وفيها الأزد ومذحج وحضرموت (وخولان)، فثبتوا حتى صدّوا أعداء الله، ثم ركبهم من الروم أمثال الجبال. فزال المسلمون من الميمنة إلى ناحية القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت صور (١) من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، وانكشفت زبيد. ثم تنادوا فتراجعوا وحملوا حتى نهنهوا من أمامهم من الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف من الناس، واستقبل النساء من انهزم من سرعان الناس يضربنهم (٢) بالخشب والحجارة وجعلت خولة (بنت ثعلبة) تقول: [من الرجز]:

يا هَارِبًا عن نِسْوَةٍ تَقِيّات … فعَنْ قَليل ما ترى سَبِيّات

ولا حَصِياتٍ ولا رضيّات

قال: فتراجع الناس إلى مواقفهم.

وقال سيف بن عمر (٣): عن أبي عثمان الغَسَّاني، عن أبيه. قال قال عكرمة بن أبي جهل يوم اليرموك: قاتلت رسول الله في مواطن وأفرُّ منكم اليوم؟ ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمئة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدَّامَ فسطاطِ خالدٍ حتى أثبتوا جميعًا جراحًا، وقتل منهم خلق منهم ضرار بن الأزور .

وقد ذكر الواقدي وغيره:

أنهم لما صرعوا من الجراح استسقوا ماءً فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعًا ولم يشربها أحد منهم. أجمعين.

ويقال: إنَّ أول منْ قُتل من المسلمين يومئذ شهيدًا رجلٌ جاءَ إلى أبي عبيدة فقال: إنّي قد تهيأتُ لأمري فهل لكَ من حاجة إلى رسول الله ؟ قال: نعم، تُقرئه عني السلام وتقول: يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا. قال: فتقدَّم هذا الرجلُ حتى قتل، .

قالوا: وثبتَ كلُّ قومٍ على رايتهم حتى صارتِ الرومُ تدورُ كأنها الرحا. فلم تر يوم اليرموك (إلا) مُخًّا ساقطًا، ومعصمًا نادرًا (٤)، وكفًا طائرة من ذلك الموطن. ثم حملَ خالدٌ بمن معه من الخيالة على المَيْسرة التي حملتْ على مَيْمنة المسلمين فأزالوهم إلى القلب، فقتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف


(١) الصور والسور واحد.
(٢) في أ: يضربونهم؛ وما هنا أقرب للسياق.
(٣) تاريخ الطبري (٣/ ٤٠١).
(٤) ندر الشيء يندر ندورًا فهو نادر: سقط وشذَّ. اللسان (ندر).