للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جرجة: بالله لقد صَدَقْتني ولم تُخادعني؟ قال: تالله لقد صَدَقْتُك وإنَّ اللهَ وليُّ ما سألتَ عنه. فعند ذلك قلبَ جرجة الترسَ ومال مع خالد. وقال: علّمْني الإسلامَ، فمال به خالدٌ إلى فسطاطه فسنّ (١) عليه قربةً من ماءٍ ثم صلَّى به ركعتين. وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام. فركب خالد وجرجة معه والروم خلال المسلمين، فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الرومُ إلى مواقفهم وزحف خالدٌ بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب. وصلَّى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماءً، وأُصيب جرجة ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد . وضعضعت الروم عند ذلك. ثم نهدَ خالد بالقلب حتى صار في وسط خيول الرُّوم، فعند ذلك هربت (٢) خيالتهم، وأسندتْ (٣) بهم في تلك الصحراء، وأفرج المسلمون بخيولهم حتى ذهبوا. وأخَّر الناس صلاتي العشاءين حتى استقر الفتح، وعمد خالد إلى رحل الرُّوم وهم الرجالة ففصلوهم عن آخرهم حتى صاروا كأنهم حائطٌ قد هُدِمَ، ثم تبعوا من فرَّ من الخيالة، واقتحم خالد عليهم خندقهم، وجاء الروم في ظلام الليل إلى الواقوصة، فجعل الذين تسلسلوا وقيدوا بعضهم ببعض إذا سقط واحدٌ منهم سقط الذين معه.

قال ابن جرير (٤) وغيره:

فسقط فيها وقتل عندها، مئة ألف وعشرون ألفًا سوى منْ قُتل في المعركة. وقد قاتل نساءُ المسلمين في هذا اليوم وقتلوا خلقًا كثيرًا من الروم، وكن يضربن من انهزم من المسلمين ويقلن: أين تذهبون وتدعوننا للعلوج؟ فإذا زَجَرْنَهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجعَ إلى القتال.

قال: وتجلل القيقلان وأشراف من قومه من الروم ببرانسهم وقالوا: إذا لم نقدر (٥) على نصر دين النصرانية فلنمتْ على دينهم. فجاء المسلمون فقتلوهم عن آخرهم.

قالوا: وقتل في هذا اليوم من المسلمين ثلاثة آلاف منهم عكرمة وابنه عمرو، وسلمة (٦) بن هشام،


(١) سنَّ عليه الماء: صبَّه. اللسان (سنن).
(٢) في أ: ذهبت.
(٣) سندنا في الجبل وأسندنا جبلها فيها: أي صعدنا فيه. اللسان (سند).
(٤) تاريخه (٣/ ٤٠٠).
(٥) في أ: قال وتخلخل القيقلان وأشراف قومه من الروم برأسهم وقالوا: إذا لم يقدر ..
(٦) في أ: ابن سلمة؛ وهو زيادة لا ضرورة لها، فسلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، من خيار الصحابة وفضلائهم، وهو أخو أبي جهل بن هشام. قتل سنة ١٤ في خلافة عمر وقيل سنة ١٣ قبل موت أبي بكر جميعًا. ترجمته في الاستيعاب (٦٤٣) وجامع الأصول (١٤/ ١٩٢) وأسد الغابة (٢/ ٤٣٥ - ٤٣٦) والإصابة (٢/ ٦٨ - ٦٩).