للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم عاد الجميع بعد هذه الوقعة التي أوردناها، وادَّعَوْا أن الفرس أجبروهم على نقض العهود، وأخذوا منهم الخَراجَ وغير ذلك. فصدقوهم في ذلك تألفًا (١) لقلوبهم، وسنذكر حكم أهل (٢) السواد في كتابنا "الأحكام الكبير" إن شاء الله تعالى. (وقد ذهبَ ابنُ إسحاق وغيرُه إلى أنَّ وَقْعَةَ القادسية كانت في سنة خمس عشرة. وزعمَ الواقديُّ أئها كانت في سنة ست عشرة. وأما سيفُ بن عمر وجماعةٌ فذكروها في سنة أربع عشرة، وفيها ذكرها ابن جرير (٣)، فاللّه أعلم).

قال ابن جرير (٤) والواقدي: في سنة أربع عشرة جمع عمرُ بن الخطاب الناسَ على أُبيّ بن كعب في التَّراويح وذلك في شهر رمضان منها، وكتب إلى سائر الأمصار يأمرهم بالاجتماع في قيام شهر رمضان.

قال ابن جرير (٥): وفيها (بعث) عمر بن الخطاب عتبةَ بن غزوان إلى البصرة وأمره أن ينزل فيها (٦) بمن معه من المسلمين، وقطعَ مادة أهل فارس عن الذين بالمدائن ونواحيها منهم في قول المدائني، وروايته.

قال: وزعم سيف أنَّ البصرةَ إنّما مُصِّرتْ في ربغ من سنة ست عشرة، وأن عتبة بن غزوان إنما خرجَ إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت، وجَّههُ إليها سعدٌ بأمرِ عمر .

وقال أبو مخنف (٧): عن مجالد، عن الشعبي: إن عمر بعثَ عتبةَ بن غزوان إلى أرض البصرة في ثلاثمئة وبضعة عشر رجلًا، وسار (٨) إليه من الأعراب ما كمل معه خمسمئة، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة، والبصرة يومئذ تُدْعى أرض الهند فيها حجارة بيض خشنة، وجعل يرتاد لهم منزلًا حتى جاؤوا حيال الجسر الصغير فإذا فيه (٩) حَلْفاء وقَصب نابت، فنزلوا. فركب إليهم صاحبُ الفرات في أربعة آلاف أسوار (١٠)، فالتقاه عتبة بعد ما زالت الشمس، وأمر الصحابة فحملوا عليهم فقتلوا الفُرْسَ عن آخرهم، وأسروا صاحبَ الفرات، وقام عتبة خطيبًا فقال في خطبته: إن الدنيا قد آذنت بصَرْمٍ (١١)، وولَّت حَذَّاء (١٢)، ولم يبق منها


(١) في أ: تأليفًا.
(٢) ساقطة من أ.
(٣) في تاريخه (٣/ ٥٩٠) ونقل الأقوال السابقة.
(٤) تاريخ الطبري (٣/ ٥٩٠) نقلًا عن الواقدي.
(٥) في تاريخه (٣/ ٥٩٠).
(٦) في أ: بها. وفي تاريخ الطبري: وأمره بنزولها.
(٧) نقل هذا الخبر بسنده الطبري في تاريخه (٣/ ٥٩٠ - ٥٩١).
(٨) في أ: وصار.
(٩) في أ: عند خلفا قصب نابت.
(١٠) الأسوار والإسوار: قائد الفرس. اللسان (سور).
(١١) في اللسان: إن الدنيا قد أدبرت بصرم: أي بانقطاع وانقضاء - النهاية واللسان (صرم).
(١٢) في هامش الطبري: حذّاء: مسرعة؛ قال في "تاج العروس": الحذَّاء: السريعة الماضية ومنه قول عتبة بن غزوان في خطبته: إن الدنيا قد آذنت بصرم وولَّت حَذّاء.