للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفت إلى نحو بيت المقدس وقال: عليكِ السلامُ يا سوريةُ سلامًا لا اجتماع بعده إلا أن أسلِّمَ عليكِ تسليمَ المُفارقِ، ولا يعودُ إليكِ روميٌّ أبدًا إلا خائفًا حتى يولدَ المولودُ المشؤومُ، ويا ليتَهُ لم يولدْ. ما أحْلَى فعلَه وأمرَّ عاقبته على الروم!! ثم سار هرقلُ حتى نزلَ القسطنطينيةَ واستقرّ بها ملكه، وقد سأل رجلًا ممَّن اتّبعه كان قد أُسِرَ مع المسلمين، فقال: أخبرني عن هؤلاء القوم، فقال: أخبركَ كأنَّك تنظرُ إليهم، هم فرسان بالنهارِ، رهبانٌ بالليلِ، لا يأكلون في ذمتهم إلَّا بثمنٍ، ولا يدخلون إلَّا بسلام، يقفونَ على منْ حاربوه حتى يأتوا عليه. فقال: لئن كنت صدقتني ليملكن (١) موضعَ قدميَّ هاتين (٢).

قلتُ: وقد حاصرَ المسلمون قسطنطينية في زمانِ بني أميةَ فلم يملكوها ولكن سيملكها المسلمون في آخر الزمان كما سنبينه في كتاب الملاحم، وذلك قبل خروج الدجال بقليل على ما صحَّتْ به الأحاديث عن رسول اللّه في صحيح مسلم (٣) وغيره من الأئمة، ولله الحمد والمنة.

وقد حرَّم الله على الروم أن يملكوا بلادَ الشام برُمَّتها إلى آخر الدهر، كما ثبت به الحديث في الصحيحين (٤) عن أبي هريرة قال قال رسول الله : "إذا هلكَ كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصرُ فلا قيصرَ بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ﷿" (٥).

وقد وقع ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه كما رأيت، وسيكون ما أخبر به جزمًا لا يعود ملكُ القياصرة إلى الشام أبدًا لأنّ قيصرَ علَمُ جنسٍ عند العرب يُطلق على كل منْ ملكَ الشَام مع بلاد الروم، فهذا لا يعود لهم أبدًا.


(١) في تاريخ الطبري: ليرثُنّ.
(٢) في أ: قدمي هذا.
(٣) صحيح مسلم (٢٨٩٧) (٣٤) في الفتن وأشراط الساعة، وأخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه (١٥/ ٢٢٤) رقم (٦٨١٣) في كتاب التاريخ بنفس السند والسياق ونص الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الرومُ بالأعماق، أو بدابق: فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ؛ فإذا تصافّوا قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سَبَوْا منا نقاتلهم. فيقول المسلمون: لا واللّه! لا نخلِّي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث. لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسْطُنْطينية. فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علّقوا سيوفهم بالزيتون؛ إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج - يعني الدجال - فبينما هم يُعِدُّون للقتال، يُسوُّون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم ؛ فأمَّهم. فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتّى يهلك. ولكن يقتله الله بيده، فيُريهم دمه في حربته.
وقد فتح الله القسطنطينية للمسلمين على يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام ٨٥٧ للهجرة النبوية.
(٤) البخاري في صحيحه (٣٦١٨) في المناقب، ومسلم في صحيحه (٢٩١٨) في الفتن.
(٥) وهو أيضًا عند أحمد في مسنده (٢/ ٢٣٣ و ٢٤٠، والترمذي (٢٢١٦)، وابن حبان في صحيحه (١٥/ ٨٣) رقم (٦٦٨٩).