وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيمَ وسارَة لما مَرُّوا عليهم (١) مجتازينَ ذاهبينَ إلى مدائنِ قومِ لوط ليدمِّروا عليهم لكفرهم وفُجورهم، كما سيأتي بيانُه في موضِعه إن شاء اللّه تعالى.
يذكرُ تعالى أنَّ الملائكةَ - قالوا: وكانوا ثلاثةً: جبريلُ، وميكائيلُ وإسرافيلُ - لما وَردُوا على الخليل، حَسِبهم أولًا أضيافًا، فعاملَهم معاملةَ الضيوف، شوى لهم عِجْلًا سمينًا من خيار بقره، فلمَّا قرَّبَه إليهم وعرضَ عليهم، لم يرَ لهم همَّةً إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوَّة الحاجة إلى الطعام، فنكرهم إبراهيمُ ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠] أي: لندَمِّرَ عليهم، فاستبشرتْ عند ذلك سارَةُ غضبًا للّه عليهم، وكانت قائمةً على رؤوس الأضياف، كما جرتْ به عادة الناس من العرب وغيرهم، فلما ضحكت استبشارًا، قال اللّه تعالى: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] أي: بشَّرتها الملائكةُ بذلك ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ﴾ [الذاريات: ٢٩] أي: في صرخة ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ [الذاريات: ٢٩]، أي: كما يفعلُ النساء عند التعجُّب ﴿قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] أي: كيف يلدُ مثلي وأنا كبيرةٌ وعقيمٌ أيضًا، وهذا بعلي، أي: زوجي شيخًا، تعجَّبت من وجود ولدٍ والحالة هذه ولهذا قالت: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٢، ٧٣].
وكذلك تعجَّب إبراهيمُ ﵇ استبشارًا بهذه البشارة، وتثبيتًا لها وفرحًا بها ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾ [الحجر: ٥٤، ٥٥] أكَّدوا الخبرَ بهذه