للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سيف وغيره: وكان الذي هاجَ هذه الوقعةَ أنَّ المسلمين لما افتتحوا الأهوازَ ومنعوا جيشَ العلاء من أيديهم واستولَوْا على دار الملك القديم من إصطخر مع ما حازوا من دار مملكتهم حديثًا، وهي المدائن، وأخذوا (١) تلك المدائن والأقاليم والكور والبلدان الكثيرة، فحموا عند ذلك واستجاشهم يَزْدَجِرْدُ الذي تقهقر من بلدٍ إلى بلدٍ حتى صار إلى أصبهان مُبْعَدًا طَريدًا، لكنّه في أسرة من قومه وأهله وماله، وكتب إلى ناحية نهاوَنْد وما والاها من الجبال والبلدان، فتجمَّعُوا وتراسلُوا حتى كمل لهم من الجنود ما لم يجتمع لهم قبل ذلك.

فبعثَ سعدٌ إلى عمر يعلمه بذلك، وثار أهلُ الكوفة على سعد في غضون هذا الحال. فشَكَوْهُ في كلِّ شيءٍ حتى قالوا: لا يُحسنُ يُصلِّي. وكان الذي نهضَ بهذه الشكوى رجلٌ يقال له: الجَرَّاح بن سنان الأسَديّ في نفر معه، فلمَّا ذهبوا إلى عمر فشكَوْه قال لهم عمر: إنَّ الدليل على (ما عندكم من الشر) (٢) نهوضكم في هذا الحال عليه، وهو مستعدٌّ لقتال أعداء الله، وقد جمعوا لكم، ومع هذا لا يمنعني أن أنظرَ في أمركم.

ثم بعث محمد بن مسلمة - وكان رسولَ العُمّال - فلما قدم محمد بن مسلمةَ الكوفة طافَ على القبائل والعشائر والمساجد بالكوفة. فكلٌّ يُثْني على سعدٍ خيرًا إلا ناحية الجَرَّاح بن سنان فإنّهم سكتوا فلم يذمُّوا ولم يشكروا، حتى انتهى إلى بني عبس، فقام رجك يُقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة، فقال: أما إذ ناشدتنا (٣) فإنَّ سعدًا لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السريّة. فدعا عليه سعدٌ فقال: اللهمّ إنْ كانَ قالها كذبًا ورياءً وسمعةً فأعم بصرَهُ، وكَثِّرْ عيالَهُ، وعَرِّضْة لمُضِلَّاتِ الفِتن. فَعَميَ واجتمعَ عنده عشرُ بناتٍ، وكانَ يسمعُ بالمرأة فلا يزال حتى يأتيها فيجسها فإذا عُثر عليه قال: دعوةُ سعدٍ الرجلِ المباركِ. ثم دعا سعد على الجَرّاحِ وأصحابه فكلٌّ أصابته قارعةٌ في جسده، ومصيبةٌ في ماله بعد ذلك. واستنفر محمد بن مسلمة أهلَ الكوفة لغزو أهل نَهاوند في غضون ذلك عن أمر عمر بن الخطاب.

ثم سار سعد ومحمد بن مسلمة والجَرّاح وأصحابه حتى جاؤوا عمر فسأله عمر: كيف يُصلي؟ فأخبره أنه يطوّلُ في الأوليين ويُخففُ في الأُخريين وما آلو ما اقتديتُ به من صلاةِ رسول الله . فقال له عمر: ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق.

وقال سعدٌ في هذه القصة: لقد أسلمتُ خامسَ خمسةٍ، ولقد كنا وما لنا طعام إلا ورق الحُبْلَةِ (٤) حتى تَقَرَّحتْ أشداقُنا، وإنّي لأولُ رجلٍ رمى بسهمٍ في سبيل الله، ولقد جمع لي رسولُ الله أبويه


(١) في ط: وأخذ.
(٢) في أ: من الدليل على شركم. والخبر عند الطبري (٤/ ١٢١) وقد مرّ أيضًا قي حوادث سنة عشرين صفحة (١٥٧) من هذا الجزء.
(٣) في أ: أنشدتنا.
(٤) الحُبْلَة: بالضم وسكون الباء: ثمر السَّمُر يشبه اللُّوبياء، وقيل: هو ثمر العضاه. النهاية (١/ ٣٣٤).