للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه قال له: ما تشتكي؟ قال ذنوبي، قال فما تشتهي؟ قال رحمة ربي، قال ألا آمر لك بطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطائك؟ -وكان قد تركه سنتين- فقال: لا حاجة لي فيه. فقال: يكون لبناتك من بعدك. فقال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرتُ بناتي أن يقرأْنَ كلَّ ليلةٍ سورةَ الواقعة، وإني سمعتُ رسولَ الله يقول: "منْ قرأ الواقعةَ كلَّ ليلةٍ لم تُصِبْهُ فاقةٌ أبدًا" (١). وأوصى عبد الله بن مسعود إلى الزّبير بن العوّام، فيقال إنه هو الذي صلى عليه ليلًا، ثمّ عاتب عثمانُ الزبير على ذلك، وقيل بل صلَّى عليه عثمان، وقيل عمَّار، فالله أعلم. ودفن بالبقيع عن بضع وستين سنة.

عبد الرحمن بن عوف (٢) بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، أبو محمد القرشي، الزُّهري، أسلم قديمًا على يديْ أبي بكر، وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وآخى رسول الله بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد بدرًا وما بعدها، وأمَّره رسول الله حين بعثه إلى بني كلب وأرخى له عذبة (٣) بين كتفيه، ليكون أمارة عليه للإمارة، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى، ثمَّ أحد الثلاثة الذين انتهت إليهم منهم، كما ذكرنا، ثمّ كان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان ، وقد تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات فأغلظ له خالد في المقال، فلما بلغ ذلك رسول الله قال "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" وهو في الصحيح (٤).

وقال معمر، عن الزُّهري: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدَّق بأربعين ألفًا، ثمّ تصدّق بأربعين ألف دينار، ثمّ حمل على خمسمئة فرس في سبيل الله، ثمّ حمل على خمسمئة راحلة في سبيل الله (٥). وكان عامة ماله من التجارة، فأمّا الحديث الذي قال عبْدُ بن حُميد في "مسنده" (٦) حدَّثنا يحيى بن إسحاق، حدَّثنا عمارة بن زاذان، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، أن عبد الرحمن بن عوف لمّا هاجر آخى رسول الله بينه وبين عثمان بن عفان فقال له: إن لي حائطين فاختر أيهما شئت، فقال: بارك الله لك في حائطيك، ما لهذا أسلمت، دلَّني على السوق، قال


(١) أخرجه ابن السني رقم (٦٨٠) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (٢٤٩٨) و (٢٤٩٩) وإسناده ضعيف.
(٢) ترجمة -عبد الله بن عوف- في الطبقات (٣/ ١٢٤) والاستيعاب (٨٤٤ - ٨٥٠) وجامع الأصول (١٢/ ٣١٧) وأسد الغابة (٣/ ٤٨٠ - ٤٨٥) وسير أعلام النبلاء (١/ ٦٨ - ٩٢) وتاريخ الإسلام (٢/ ١٠٥ - ١٠٧) والإصابة (٢/ ٤١٦ - ٤١٧).
(٣) العذبة: طرف الشيء. النهاية (٣/ ١٩٥).
(٤) صحيح الإمام البخاري (٣٦٧٣) في فضائل الصحابة، وصحيح مسلم (٢٥٤٠) في فضائل الصحابة.
(٥) الخبر في معجم الطبراني رقم (٢٦٥) والحلية لأبي نعيم (١/ ٩٩).
(٦) مسند عبد بن حميد (٤٠٧) رقم (١٣٨٣).