للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمى (١)، وأنَّه حرقَ المصاحف وأنّه أتم الصلاة، وأنه ولَّى الأحداث (الولايات وترك الصحابة الأكابر) وأعطى (٢) بني أمية أكثر من الناس.

فأجاب علي (٣) عن ذلك: أما الحمى فإنما حماه لإبل الصدقة لتسمن، ولم يَحْمِهِ لإبله ولا لغنمه، وقد حماه عمر من قبله. وأما المصاحفُ فإنّما حرق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه، كما ثبت في العرضة الأخيرة، وأما إتمامه الصلاة بمكة، فإنه كان قد تأهَّلَ بها ونوى الإقامة فأتمها، أما توليته الأحداث فلم يولِّ إلا رجلًا سويًا عدلًا، وقد ولَّى رسول الله عتاب بن أسيد (على مكة) وهو ابن عشرين (سنة)، وولَّى أسامةَ بن زيد بن حارثة، وطعن (٤) الناس في إمارته فقال: "إنه لخليقٌ بالإمارة" (٥) وأما إيثارُهُ قومَه بني أمية فقد كان رسول الله يُؤْثِر قريشًا على الناس، وواللهِ لو أن مفتاحَ الجنة بيدي لأدخلتُ بني أمية إليها. ويقال: إنهم عتبوا عليه في عمّارٍ ومحمد بن أبي بكر، فذكر عثمان عذره في ذلك، وأنه أقام فيهما (٦) ما كان يجب عليهما.

وعتبوا عليه في إيوائه الحَكم بن أبي العاص، وقد نفاه رسول الله إلى الطائف، فذكر أن رسول الله كان قد نفاه إلى الطائف ثمَّ ردَّه، ثمَّ نفاه إليها، فال: فقد نفاه رسول الله ثم رَدَّه.

وروي أنَّ عثمان خطب الناس بهذا كلِّه بمحضرٍ من الصحابة، وجعل يستشهد بهم فيشهدون له فيما فيه شهادة له، ويروى أنهم بعثوا طائفة منهم فشهدوا خطبة عثمان هذه، فلما تمهدت (٧) الأعذار، وانزاحت عللهم، ولم يبق لهم شبهة، أشار جماعة من الصحابة على عثمان بتأديبهم فصفح عنهم [وتركهم]، . وردَّهم إلى قومهم، فرجعوا خائبين من حيث أتوا، ولم ينالوا شيئًا مما كانوا أمَّلوا وراموا، ورجع عليٌّ إلى عثمان، فأخبره برجوعهم عنه، وسماعهم منه، وأشار على عثمان أن يخطب الناس خطبةً يعتذر إليهم فيها مما كان وقع من الأثرة لبعض أقاربه، ويشهدهم عليه بأنه قد تاب من ذلك، وأناب إلى الاستمرار على ما كان عليه من سيرة الشيخين قبله (٨)، وأنه لا يحيد عنها، كما كان الأمر أولًا في مدة ست سنين الأُول، فاستمع عثمان هذه النصيحة، وقابلها بالسمع والطاعة.

ولما كان يوم الجمعة وخطب الناس، رفع يديه في أثناء الخطبة، وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب


(١) في ط: أنه في الحمى.
(٢) في أ: وأنه أعطى.
(٣) في أ: عثمان.
(٤) في أ: فطعن.
(٥) أخرجه أحمد في مسنده (٢/ ٢٠) والبخاري في صحيحه (٣٧٣٠) في الفضائل، ومسلم في صحيحه (٢٤٢٦) (٦٣) في المناقب.
(٦) في أ: فإنه أقام فيها.
(٧) تمهيد العذر: بسطه وقبوله.
(٨) في أ: سيرة الشيخين فيه.