للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منيعٌ، فكنت أول من رضي بها وأعان عليها، ولكنك قلت ما قلت حين جاوز (١) الحزام الطُّبْيَيْنِ، وبلغ (٢) السيلُ الزُّبَى، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل، والله لإقامةٌ على خطيئةٍ يُسْتَغفَرُ منها، خيرٌ من توبة خُوِّفَ عليها، وإنك لو شئت لعزمت (٣) التوبة ولم تقرر لنا بالخطيئة، وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: (قم) فاخرج إليهم فكلّمهم، فإني أستحيي أن أكلمهم.

قال: فخرج مروان إلى الباب، والناسُ يركب بعضهم بعضًا، فقال: ما شأنكم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت (٤) الوجوه (كل إنسان آخذ بأُذن صاحبه) إلا من أريدَ، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اخرجوا عنا، (أما والله لئن رمتمونا) (٥) ليمرَّن عليكم أمرٌ يسوؤكم ولا تحمدوا غبّه، ارجعوا إلى منازلكم، فوالله ما نحن مغلوبين على ما بأيدينا.

قال: فرجع الناس، وخرج بعضهم حتى أتى عليًا فأخبره الخبر، فجاء علي مغضبًا حتى دخل على عثمان، فقال: أما رضيتَ من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك؟! وإن مثلك مثل جمل الظعينة (٦) سار حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك (٧)، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبتَ سوقك (٨)، وغُلبت على أمرك.

فلما خرج عليٌّ دخلت نائلةُ على عثمان فقالت: أتكلَّم أو أسكت؟ فقال: تكلَّمي، فقالت: [قد] سمعتُ قولَ عليٍّ أنه ليس يعاودك، وقد أطعتَ مروان [يقودك] (٩) حيث شاء، قال: فما أصنع؟ قالت: تَتَّقي اللهَ وحده لا شريك له، وتتَّبع سُنَّةَ صاحِبَيْكَ من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قَتَلَك ومروان ليس له عند أحد (١٠) قدرٌ ولا هَيْبَةٌ ولا محبةٌ، فأرسلْ إلى علي فاستصلحه فإن له قرابةً منك وهو


(١) في أ: بلغ، والروايتان واردتان للمثل: انظر معجم الأمثال العربية لرياض عبد الحميد مراد (١/ ٢٠١ و ٣٧٧ و ٤٤٢) وفيه ذكر لمصادر المثل، ويضرب هذا المثل للأمر يبلغ غايته في الشدّة والصعوبة، وهو أيضًا في جمهرة الأمثال للعسكري (١/ ٢٢٠).
(٢) في أ: وخلف، والمثل في معجم الأمثال العربية (١/ ٢٢) وفيه ذكر لمصادره: ويضرب أيضًا للأمر يبلغ غايته في الصعوبة والشدة.
(٣) في أ: تقريب التوبة، وما هنا موافق للطبري (٤/ ٣٦٢).
(٤) شاهت الوجوه: قبحت. اللسان (شوه).
(٥) مكان القوسين بياض في أ بقدر ثلاث كلمات.
(٦) الظعينة: الهودج تكون فيه المرأة أو لا تكون. اللسان (ظعن).
(٧) الصَّدَر نقيض الوَرْد ومعناه الرجوع، ويقال للذي يبتدئ أمرًا ثم لا يتمّه يورد ولا يُصْدر. اللسان (صدر).
(٨) كذا في أ، ط وفي تاريخ الطبري (٤/ ٣٦٢): شرفك؛ ولعلها هي الأشبه.
(٩) الزيادة عن تاريخ الطبري (٤/ ٣٦٢).
(١٠) في ط: عند الله، وفي تاريخ الطبري: عند الناس.