للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنزل عثمان (وحملوه) وأمر بالعصا فشدوها، فكانت مضببة، فما خرج بعد ذلك اليوم إلا خَرْجَة أو خرجتين، حتى حُصِر فقتل.

قال ابن جرير: وحدَّثنا أحمد بن إبراهيم، حدَّثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع: أنَّ الجهجاه الغِفاري أخذ عصًا كانت في يد عثمان فكسرها على ركبته، فرُمي في ذلك المكان بأكَلَةٍ.

وقال الواقدي (١): وحدَّثني ابن أبي الزناد، عن موسى بن عُقْبة، عن أبي حَبيبة قال: خطب عثمان الناسِ في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إنك قد ركبت نهابير (٢) وركبناها معك، فتُبْ نَتُبْ (معك). فاستقبلَ عثمانُ القبلةَ وشهرَ يديه.

قال أبو حبيبة: فلم أرَ يومًا أكثر باكيًا ولا باكيةً من يومئذ. ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس فقام إليه جهجاه الغفاري فصاح (إليه): يا عثمانُ ألا إن هذه شارف (٣) قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة (٤)، فانزل فلندرجك في العباءة ولنَطْرَحكَ في الجامِعَةِ ولنَحْملْكَ على الشَّارِفِ ثم نَطْرحكَ في جبل الدخان. فقال عثمان: قبَّحكَ اللهُ وقبَّح ما جئتَ به، ثمّ نزل عثمان. قال أبو حبيبة: وكان آخر يومٍ رأيتُه فيه.

وقال الواقدي: حدَّثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد. قال: كان أول من اجترأ على عثمان بالنُّطْقِ السيِّء جَبَلة بن عمرو الساعدي؛ مرَّ به عثمان وهو في نادي قومه، وفي يد جبلة جامعة، فلما مرَّ عثمان سلَّم فردَّ القومُ، فقال جبلة: لم تردُّون عليه؟ رجل قال كذا وكذا، ثمّ أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحنَّ هذه الجامعة في عنقكَ أو لتتركنَّ بطانتك هذه، فقال عثمان: أيّ بطانة؟ فوالله [إني] لأتخيَّر الناسَ، فقال: مروان تخيرته، ومعاوية تخيرته، وعبد الله بن عامر بن كُرَيْز تخيرته، وعبد الله بن سعد بن أبي سَرْحٍ تخيرته، منهم من نزل القرآن بذمّه، وأباح رسول الله دمه، قال فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم.

قال الواقدي: وحدَّثني محمد بن صالح، عن عبيد الله بن رافع بن نقاخة، عن عثمان بن الشَّريد. قال: مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعديّ وهو بفناء داره، ومعه جامعة، فقال يا نَعْثَلُ! والله لأقتلنَّك ولأحملنَّك على قَلوصٍ جَرْباء، ولأخرجنَّك إلى حرَّةِ النارِ. ثمّ جاءه مرةً أخرى، وعثمانُ على المنبر فأنزله عنه.

وذكر سيف بن عمر أن عثمان بعد أن صلَّى بالناس يوم الجمعة صعد المنبر فخطبهم أيضًا فقال في خطبته: يا هؤلاء الغرباء! الله الله، فوالله إن أهل الفدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد ،


(١) الخبر في تاريخ الطبري (٤/ ٣٦٦).
(٢) النهابر والنهاير: المهالك. القاموس.
(٣) الشارف من الإبل: المسنّ أو المسنّة. اللسان (شرف).
(٤) الجامعة: القيد.