للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي أُصيبتْ حين حاجَفَتْ (١) عنه بيدها، فقُطعتْ مع بعض الكفّ فورد به على معاوية بالشام، فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس، وعلق الأصابع في كم القميص، وندب الناس إلى الأخذ بهذا الثأر والدم وصاحبه، فتباكى الناس حول المنبر، وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة، والناس يتباكون حوله سنة، وحث (٢) بعضهم بعضاً على الأخذ بثأره، واعتزل أكثر الناس النساء في هذا العام، وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرِّضون الناسَ على المطالبة بدم عثمان، ممَّن قتله من أولئك الخوارج: منهم عُبادة بن الصّامِت، وأبو الدَّرداء، وأبو أمامة، وعمرو بن عَبَسَة (٣) وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: شريك بن حباشة، وأبو مسلم الخولاني، وعبد الرحمن بن غَنْم، وغيرهم من التابعين. ولما استقرَّ أمرُ بيعة عليٍّ دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة ، وطلبوا (منه) إقامة الحدود، والأخذ بدم عثمان. فاعتذر إليهم بأنَّ هؤلاء لهم مدد وأعوان، وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا، فطلب منه الزبير أن يوليه إمرةَ الكوفة ليأتيه بالجنود، وطلب منه طلحة أن يوليه إمرةَ البصرة، ليأتيه منها بالجنود ليقوى بهم على شوكة هؤلاء الخوارج، وجهلة الأعراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان ، فقال لهما: مهلاً (٤) عليَّ، حتى أنظر في هذا الأمر. ودخل عليه المغيرة بن شعبة على إثر ذلك فقال له: إني أرى أن تُقرَّ عمالكَ على البلاد، فإذا أتتكَ طاعتُهم استبدلتَ بعد ذلك بمن شئت وتركتَ منْ شئت، ثم جاءه من الغد، فقال له: إني أرى أن تعزلهم لتعلمَ من يُطيعكَ (ممن يعصيك)، فعرضَ ذلك عليّ على ابن عباس فقال: لقد نصحك بالأمس وغشَّك اليومَ، فبلغ ذلك المغيرةَ فقال: نعم نصحتُه فلما لم يقبل غششتُه ثم خرج المغيرة فلحق بمكة، ولحقه جماعة منهم طلحة والزبير: وكانوا قد استأذنوا عليّاً في الاعتمار فأذن لهم، ثم إنّ ابن عباس أشار على علي باستمرار نوابه في البلاد، إلى أن (٥) يتمكن الأمر، وأن يقر معاوية خصوصاً على الشام وقال له: إني أخشى إن عزلته عنها أن يطلبك (٦) بدم عثمان ولا آمن طلحة والزبير أن يتكلما (٧) عليك بسبب ذلك، فقال علي: إني لا أرى هذا ولكن اذهب أنت إلى الشام فقد ولَّيتُكَها، فقال ابن عباس لعلي: إنّي أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان، أو يحبسني لقرابتي منك، ولكن اكتب (معي) إلى معاوية فمنِّه وعِدْهُ، فقال علي: والله


(١) حاجفت: أي دافعت. اللسان (حجف).
(٢) في أ: يحث.
(٣) في ط: عنبسة؛ تحريف، وترجمة ابن عَبَسة في الاستيعاب (١١٩٢) وجامع الأصول (١٤/ ٥٥) وأسد الغابة (٤/ ٢٥١) والإصابة (٣/ ٥ - ٦).
(٤) في أ: امهلا.
(٥) في أ: إلى حين.
(٦) في أ: يطالبك.
(٧) في أ: أن ينكرا.