للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمّا أشكلَ عليكم، حتى تعرضوه على الكتاب، فما عرفه القرآن فالزموه (١)، وما أنكره فردُّوه، وارضوا باللّه ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن حكماً وإماماً.

قال: فلما (٢) عزم على المسير من الرَّبَذَة قام إليه ابن أبي رفاعة بن رافع، فقال: يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وأين تذهب بنا؟ فقال: أما الذي نريد وننوي فالإصلاح، إن قبلوا منا وأجابوا إليه، قال: فإن لم يجيبوا إليه؟ قال: ندعهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر. قال: فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذاً.

فقام إليه الحجاج بن غزية الأنصاري فقال: لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول، والله لينصرني الله كما سمَّانا أنصاراً.

قال: وأتت جماعة من طىِّءٍ وعليٌّ بالربذة، فقيل له: هؤلاء جماعة جاؤوا من طىِّءٍ منهم منْ يريد الخروج معك، ومنهم من يريد السلام عليك، فقال: جزى الله كلاًّ خيراً ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٥] قالوا: فسار علي (٣) من الربذة على تعبئته وهو راكبٌ ناقةً حمراءَ يقودُ فرساً كميتاً فلما كان بفَيْد (٤) جاءه جماعة من أسد وطيء، فعرضوا أنفسهم عليه فقال: فيمن معي كفاية، وجاء رجل من أهل الكوفة يقال له عامر بن مطر الشيباني، فقال له عليٌّ: ما وراءك؟ فأخبره الخبر، فسأله عن أبي موسى فقال: إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبه، وإن أردت القتالَ فليس بصاحبه، فقال علي: والله ما أريد إلا الصلح ممن تمرد علينا، وسار، فلما اقترب من الكوفة وجاءه الخبر بما وقع من الأمر على جليَّته، من قتل ومن إخراج عثمان بن حُنَيْف من البصرة، وأخذهم أموال بيت المال، جعل يقول: اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير، فلما انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف مهشماً، وليس في وجهه شرة فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني إلى البصرة وأنا ذو لحية، وقد جئتك أمرداً (٥)، فقال: أصبت خيراً وأجراً. وقال عن طلحة والزبير: اللهم احْلل ما عَقَدا (٦)، ولا تُبرم ما أحْكما في أنفسهما، وأرهما المَسَاءة فيما قد عَمِلا -يعني في هذا الأمر- وأقام عليٌّ بذي قار ينتظر جواب ما كتب به مع محمد بن أبي بكر وصاحبه محمد بن جعفر -وكانا قد قدما بكتابه على أبي موسى وقاما في الناس بأمره- فلم يجابا في شيء، فلما أمسوا دخل أناس من ذوي الحجى على أبي موسى يعرضون عليه الطاعة لعلي، فقال: كان هذا بالأمس فغضب محمد ومحمد فقالا له قولًا غليظاً: فقال لهما: والله إن بيعة عثمان لفي


(١) في أ: فما عرفه فاعرفوه.
(٢) في هامش أ: مطلب الفرق.
(٣) في أ: ثم سار من الربذة.
(٤) فيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة. معجم البلدان (٤/ ٢٨٢).
(٥) كذا في الأصول والأصح: أمردَ.
(٦) في أ: ما عقدوا.