للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينصرف وثبت في مكانه وجعل يقول: حم لا ينصرون، فتقدَّم إليه نفرٌ فحملوا عليه فقتلوه وصار كل واحد منهم بعد ذلك يدَّعي قتله، وقد طعنه بعضهم بحربة فأنفذه وقال (١): [من الطويل]

وَأشْعَثَ قوّامٍ بآياتِ رَبِّهِ … قَليلِ الأذى فيما ترى العَيْنُ مُسْلمِ

هتكتُ له بالرُّمْح جَيْبَ قَميصهِ … فَخرَّ صَريعاً لليَدينِ وللْفَمِ

يُناشدُني (٢) حاميمُ (٣) والرُّمْحُ شاجرٌ … فهلا تَلا حاميمَ قبلَ التَّقَدُّمِ

على غَيْرِ شيءٍ غيرَ أن ليسَ تابعاً … عَليّاً ومنْ لا يتْبَعِ الحَقَّ يَنْدمِ

وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف فجعل لا يدنو منه أحدٌ إلا خبطه (٤) بالسيف فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول (٥): [من الرجز]

يا أمنا يا خيرَ أمٍّ نعلمُ (٦) … أما ترين كمْ شجاعٍ يُكْلمُ

وتُجتلى هامتُهُ والمعصم

فاختلفا (٧) ضربتين فقتل كل واحد صاحبه، وأحدق أهل النجدات [والمروءات] والشجاعة بعائشة، فكان لا يأخذ الراية ولا بخطام الجمل (٨) إلا شجاع معروف، فيقتل من قصده ثم يقتل بعد ذلك، وقد فقأ بعضهم عين عدي بن حاتم ذلك اليوم، ثم تقدم عبد الله بن الزبير فأخذ بخطام الجمل وهو لا يتكلم فقيل لعائشة إنه ابنك وابن أختك فقالت: واثكل أسماء! وجاء مالك بن الحارث الأشتر النخعي فاقتتلا فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحاً شديداً وضربه عبد الله [بن الزبير] ضربةً خفيفة (٩) ثم اعتنقا وسقطا إلى الأرض يعتركان فجعل عبد الله بن الزبير يقول: [من جزوء الخفيف]

اقتلوني ومالكاً … واقتلوا مالكاً معي

[فأرسلها مثلاً] وجعل (١٠) الناس لا يعرفون مالكاً من هو وإنما هو معروف (١١) بالأشتر، فحمل أصحابُ عليّ وعائشة فخلَّصوهما وقد جُرح عبدُ الله بن الزبير يومَ الجمل بهذه الجراحة سبعاً وثلاثين


(١) الأبيات في تاريخ الطبري (٤/ ٥٢٦).
(٢) في تاريخ الطبري: يذكرني.
(٣) في الأصول: حم؛ وما هنا للسياق.
(٤) في ط: حطه.
(٥) الأشطر في تاريخ الطبري (٤/ ٥٢١).
(٦) في أ: تعلم.
(٧) في ط: واختلفا.
(٨) في أ: فكان لا يأخذ الراية والخطام إلا شجاع معروف فيقتل من قتله ثم يقتل.
(٩) في أ: ضربة ضعيفة.
(١٠) في ط: فجعل.
(١١) في أ: يعرف.