للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإني لأرجو أن تكونَ ممَّن يقتله الله به، وتكلّم شَبَث بن رِبعي وزياد بن خَصَفَة فذكرا من فضل علي وقالا: إتق الله يا معاوية ولا تخالفه فإنا واللهِ ما رأيا رجلًا قط أعملَ بالتقوى، ولا أزهدَ في الدنيا، ولا أجمعَ لخصال الخير كلّها منه.

فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فمعنا هي، وأما الطاعة فكيف أطيع رجلًا أعان على قتل عثمان وهو يزعم أنه لم يقتله؟ ونحن لا نردّ ذلك عليه ولا نتهمه به، ولكنه آوى قتلت (١)، فيدفعهم إلينا حتى نقتلهم، ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة. فقال له شَبَث بن ربعي: أنشدك الله يا معاوية، لو تمكنت من عمار أكنت قاتله بعثمان؟ قال معاوية: [والله] لو تمكنت من ابن سُمَيَّة ما قتلته بعثمان، ولكني كنت قتلته بغلام عثمان. فقال له شَبَث بن ربعي: وإله الأرض والسماء لا تصل إلى قتل عمار حتى تندر الرؤوس عن كواهلها، ويضيق فضاء الأرض ورحبها عليك. فقال معاوية ولو قد كان ذلك كانت عليك أضيق.

وخرج القوم من بين يديه فذهبوا إلى علي فأخبروه بما قال (٢).

وبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري. وشُرَحبيل بن السِّمْط، ومعن بن يزيد بن الأخْنَس إلى عليُّ، فدخلوا عليه فبدأ حبيب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفةً مهديًا عمل بكتاب الله وثبت (٣) لأمر الله، فاستثقلتم حياته، واستبطاتئم (٤) وفاته، فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلته إن زعمت أنك لم تقتله، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم، فيولي الناس أمرهم منْ جمع عليه رأيهم. فقال له علي: وما أنت لا أم لك، وهذا الأمر وهذا العزل، فاسكت فإنكَ لستَ هناك ولا بأهل لذاك. فقال له حبيب: أما والله لتريني (٥) حيث تكره، فقال له على: وما أنتَ ولو أجلبتَ بخيلك ورَجِلِكَ لا أبقى الله عليك إن أبقيت، اذهب فصعِّدْ وصوَّب ما بدا لك.

ثم ذكر أهل السير كلامًا طويلًا جرى بينهم وبين علي، وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر فإن في مطاوي ذلك الكلام من [كلام] عليٍّ ما ينتقص فيه معاويه وأباه، وأنهم إنما دخلوا في الإسلام [كرهًا] ولم يزالا في تردد فيه وغير ذلك وأنه قال في غبون ذلك: لا أقول إن عثمان قُتل مظلومًا ولا ظالمًا. فقالوا: نحن نبرأ ممن لم يقل إن عثمان قُتل مظلومًا، وخرجوا من عنده، فقال عليٌّ: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨٠ - ٨١]


(١) في أ: قتلة عثمان.
(٢) في أ: فأخبروه الخبر.
(٣) في تاريخ الطبري (٥/ ٧): وينيب.
(٤) في أ: واستطلتم.
(٥) في أ: لترين مني.