للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن شاء فليرمنا [ويكدنا]. قال: فرجع أبو الدرداء وأبو أمامة فلم يشهدا لهم قتالًا بل لزما بيوتهما.

وقال عمرو بن سعد بإسناده: حتى إذا كان رجب وخشي معاوية أن يبايع القراء كلهم عليًا كتب في سهم من عبد الله الناصح: يا معشر أهل العراق! إن معاوية يريد أن يفجِّر عليكم الفرات ليغرقكم فخذوا حذركم، ورمى به في جيش أهل العراق. فأخذه الناس فقرؤوه وتحدثوا به، وذكروه لعلي فقال: إن هذا ما لا يكون ولا يقع، وشاع ذلك [فيهم] وبعث معاوية مئتي فاعل يحفرون في جنب الفرات وبلغ الناس ذلك فتشوش (١) أهل العراق من ذلك وفزعوا إلى علي فقال: ويحكم! إنه يريد أن يخدعكم ويوهن كيدكم ليزيلكم (٢) عن مكانكم هذا وينزل فيه لأنه خير من مكانه. فقالوا: لابد من أن نخلي (٣) عن هذا الموضع فارتحلوا منه، وجاء معاوية فنزل بجيشه - وكان علي آخر من ارتحل - فنزل بهم وهو يقول:

فَلَوْ أنِّي أطعْتُ عَصَمْتُ قَوْمي … إلى رُكْنِ اليَمامةِ أو شَآمِ (٤)

ولكني إذا أبْرَمْتُ أمْرًا … يخالفه (٥) الطغامُ بنو الطّغامِ

قال: فأقاموا إلى شهر ذي الحجة ثم شرعوا في المقاتلة فجعل علي يؤمِّر على الحرب كل يوم رجلًا وأكثر من كان يؤمَّر الأشتر. وكذلك معاوية يُؤمّر كلَّ يوم أميرًا فاقتتلوا شهر ذي الحجة بكماله؛ (وربما اقتتلوا في بعض الأيام مرتين).

قال ابن جرير (٦): (ثم) لم تزل الرسل تتردَّد بين علي ومعاوية والناس كافّون عن القتال حتى انسلخ المحرمُ من هذه السنة ولم يقع بينهم صلحٌ، فأمر علي بن أبي طالب يزيدَ بن الحارث الجشمي فنادى أهل الشام عند غروب الشمس: ألا إنّ أمير المؤمنين يقول لكم: إني قد استأنيتكم لتراجعوا (٧) الحق، وأقمت عليكم الحجة فلم تجيبوا، وإني قد نبذت (٨) إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين. ففزع أهل الشام إلى أمرائهم فأعلموهم بما سمعوا المنادي ينادي فنهض عند ذلك معاوية وعمرو فَعَبَّأا الجيش ميمنة وميسرة، وبات علي يعبِّئ جيشه من ليلته، فجعل على خيل أهل الكوفة الأشتر النخعي، وعلى رجَّالتهم عمار بن ياسر، وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف، وعلى رجَّالتهم قيس بن سعد وهاشم بن عتبة، وعلى قرائهم سعد بن فدكي التميمي، وتقدم علي إلى الناس أن لا يبدؤوا


(١) في أ: فخاف.
(٢) في ط: إنه يريد خديعتكم ليزيلكم.
(٣) في أ: لابد أن نرتحل عن هذا.
(٤) في أ: شمام.
(٥) في أ: يخالفني.
(٦) تاريخ الطبري (٥/ ١٠).
(٧) في أ: لترجعوا إلى الحق.
(٨) في أ: وإني قد أعددت إليكم ونبذت.