للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عقبة، واقتتل الناس قتالًا شديدًا، وجعل الوليد ينال من ابن عباس فيما ذكره أبو مخنف ويقول: قتلتم خليفتكم ولم تنالوا ما طلبتم؟ ووالله إن الله ناصرنا عليكم. فقال له ابن عباس: فابرز إلي فأبى عليه، ويقال إن ابن عباس قاتل يومئذ قتالًا شديدًا بنفسه .

ثم خرج في اليوم السادس - وهو يوم الإثنين - وعلى الناس من جهة العراقيين (١) قيس بن سعد [بن عبادة]، ومن جهة أهل الشام ابن ذي الكلاع فاقتتلوا قتالًا شديدًا أيضًا وتصابروا ثم تراجعوا.

ثم خرج الأشتر النخعي في اليوم السابع - وهو يوم الثلاثاء [من جهة علي]- وخرج إليه قِرْنه [من جهة معاوية] حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالًا شديدًا أيضًا ولم يغلب أحد أحدًا في هذه الأيام كلها.

قال أبو مخنف: حدَّثني مالك بن أعين الجُهَني، عن زيد بن وهب: أن عليًا قال: حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا؟ ثم قام في الناس عشية الأربعاء (٢) بعد العصر فقال: الحمد لله الذي لا يبرم (٣) ما نقض وما أبرم لم ينقضه الناقضون، لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه، ولا تنازعت الأمة في شيء من أمره، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضلَه، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار وجمعت (٤) بيننا في هذا المكان، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع فلو شاء لعجل النقمة وكان منه التغيير (٥) حتى يكذب الله الظلم، ويعلم الحقُ أين مصيرُه، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة عنده هي دار القرار ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١] ألا وإنكم لاقوا القومِ غدًا فأطيلوا الليلةَ القيامَ، وأكثروا تلاوةَ القرآن، واسألوا الله النصر والصبر والقَوْهم (٦) بالجدّ والحزم وكونوا صادقين. قال: فوثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها.

قال: ومر بالناس وهم كذلك كعب بن جُعَيْل (٧) التغلبي فرأى ما يصنعون (٨) فجعل يقول: [من الرجز]

أَصْبَحَتِ الأمَّةُ في أمْرٍ عَجَبْ … والمُلْكُ مَجْموعٌ غدًا لمنْ غَلَبْ

فَقُلتُ قَوْلًا صادقًا غيرَ كَذِبْ … إن غدًا تهلك أعْلامُ العَرَبْ

قال: ثم أصبح علي في جنوده قد عبَّأهم كما أراد، وركب معاوية في جيشه قد عبَّاهم كما أراد، وقد


(١) في أ: الإثنين من جهة علي على العراقيين.
(٢) في تاريخ الطبري (٥/ ١٣) عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر.
(٣) في أ: لا يبرم أحد ما نقض.
(٤) في ط: وألقت، وفي تاريخ الطبري (٥/ ١٣): فلقت.
(٥) في ط: التعسير.
(٦) في ط: والقوة.
(٧) في ط: جعل؛ وما هنا موافق للطبري (٥/ ١٤).
(٨) في ط: يصفون.