للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا أو تقطعوا سبيلًا أو تظلموا (١) ذمة فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: ٥٨] فقالت له عائشة: يا بن شداد فقتلهم فقالوا والله ما بعثت إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء واستحلوا أهل الذمة، فقالت آلله، قال: الله الذي لا إله إلا هو قد كان ذلك، قالت: فما شيء بلغني (٢) عن أهل العراق يقولون ذو الثدي وذو الثدية؟ قال: قد رأيته وكنت مع علي في القتلى (٣) فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان [يصلي ويقرأ] ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك. قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال سمعته يقول صدق الله ورسوله قالت: هل سمعت منه أنه قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا! قالت أجل! صدق الله ورسوله، يرحم الله عليا إنه كان لا يرى شيئًا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث.

تفرد به أحمد وإسناده صحيح، واختاره الضياء، ففي هذا السياق ما يقتضي أن عدتهم كانت (٤) ثمانية آلاف، لكن من القُرَّاء، وقد يكون واطأهم على مذهبهم آخرون من غيرهم حتى بلغوا اثني عشر ألفا، أو ستة عشر ألفًا. ولمّا ناظرهم ابن عباس رجع منهم أربعة آلاف وبقي بقيتهم على ما هم عليه.

وقد رواه يعقوب بن سفيان، عن موسى بن مسعود، عن عكرمة بن عمار، عن سماك أبي (٥) زميل، عن ابن عباس فذكر القصة وأنهم عتبوا عليه في كونه حكَّم الرجال، وأنه محا اسمه من الإمرة، وأنه غزا يوم الجمل فقتل الأنفس الحرام ولم يقسم الأموال والسبي، فأجاب عن الأولين بما تقدم، وعن الثالث بأن قال: قد كان في السبي أم المؤمنين [عائشة] فإن قلتم ليست لكم بأم فقد كفرتم، وإن استحللتم سبي أمكم (٦) فقد كفرتم. قال: فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فتقاتلوا. وذكر غيره أن ابن عباس لبس حلة لما دخل (٧) عليهبم، فناظروه في لبسه إياها، فاحتج بقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢] الآية


(١) في أ: ولا تظلموا.
(٢) في أ: فإنني بلغني.
(٣) في مسند أحمد: وقمت مع علي عليه في القتلى.
(٤) في ط: كانوا.
(٥) في أ: "سماك بن زميل". خطأ، فهو أبو زميل سماك بن الوليد الحنفي، من رجال التهذيب.
(٦) في ط: أمهاتكم.
(٧) في أ: لما خرج إليهم.