للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت الخوارج: يرحم الله إخواننا من أهل النهر، كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة. فاقتَتَلوا، فهزمهم أهل الكوفة وطردوهم.

ثم إن معاوية أراد أن يستخلف على أهل الكوفة عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له المغيرة بن شُعْبة: أتولِّيه الكوفة وأبوه بمصر، وتبقى أنت بين لَحْيَي (١) الأسد؟ فثناه عن ذلك، وولَّى عليها المغيرة بن شُعبة، فاجتمع عمرو بن العاص بمعاوية فقال: أتجعل المغيرة على الخَراج؟ هلّا وليتَ الخراج رجلًا آخر؟ فعزله عن الخراج وولّاه على الصلاة. فقال المغيرة لعمرو في ذلك، فقال له عمرو: ألستَ المشيرَ على أمير المؤمنين في عبد الله بن عمرو؟ قال: بلى! قال: فهذه بتلك.

وفي هذه السنة وثب حُمْران بن أَبان على البصرة، فأخذها وتغلَّب عليها، فبعث معاوية جيشًا ليقتلوه ومَنْ معه. فجاء أبو بَكْرَة الثقفي إلى معاوية، فسأله في الصَّفح والعفو، فعفا عنهم وأطلقهم، وولى على البصرة بُسْر (٢) بن أبي أَرْطاة، فتسلَّط على أولاد زياد يريد قتلَهم، وذلك أنَّ معاوية كتب إلى أبيهم ليحضُرَ إليه فتلبَّث، فكتب إليه بُسر بن أبي أَرْطاة: لئن لم تسرع إلى أمير المؤمنين وإلَّا قتلت بَنِيكَ، فبعث أبو بَكْرة إلى معاوية في ذلك [فأخذ لهم أمانًا منه] (٣). وقد قال معاوية لأبي بَكْرة: هل من عهد تعهدُه إلينا؟ قال: نعم، أعهَدُ إليك - يا أمير المؤمنين - أن تنظرَ لنفسك ورعيَّتك وتعمل صالحًا فإنَّكَ قد تقلَّدتَ عظيمًا، خلافة الله في خلقه، فاتَّقِ الله، فإنَّ لك غايةً لا تعدُوها، ومن ورائك طالبًا حَثيثًا، وأوشك أنْ يبلغَ المدى فيلحق الطالب، فتصير إلى مَنْ يسألُكَ عمّا كنتَ فيه، وهو أعلم به منك، وإنَّما هي محاسبةٌ وتوقيفٌ، فلا تُؤْثرن على رضا الله شيئًا.

ثم ولَّى معاوية - في آخر هذه السنة - البصرة لعبد الله بن عامر، وذلك أن معاوية أراد أن يولِّيها لعُتبة بن أبي سفيان، فقال له ابن عامر: إنَّ لي بها أموالًا وودائع، وإن لم تولِّنيها هلكتُ. فولَّاه إيّاها [وأجابه إلى سؤاله في ذلك] (٤).

قال أبو مَعْشَر: وحجَّ بالناس في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان. وقال الواقدي: إنَّما حجَّ بهم عَنْبَسَة بن أبي سفيان. فالله أعلم.

ومن أعيان من توفي هذا العام:

رفاعة بن رافع (٥): ابن مالك بن العَجْلان. شهد العقبَة وبدرًا وما بعدها.


(١) اللحيان: جانبا الفم.
(٢) تحرف في أ في أكثر من موضع إلى: بشر.
(٣) سقط من ط.
(٤) زيادة من ط و ب.
(٥) طبقات ابن سعد (٣/ ٥٩٦) طبقات خليفة (١٠٠) تاريخ خليفة (٢٠٥) مسند أحمد (٤/ ٣٤٠) تاريخ البخاري الكبير =