للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المغيرة القصر بعد الصلاة، ودخل معه جمهور الناس من الأمراء، فأشاروا على المغيرة أن يردَع حُجْرًا هذا عما يتعاطاه من الجرأة على السلطان وشقِّ العصا والقيام على الأمراء، وذمَّروه وحثُّوه على التنكيل به. فصفَح عنه وحَلُم به.

وذكر يونس بن عبيد: أن معاوية كتب إلى المغيرة يستمدُّه بمال يبعثه من بيت المال، فبعث عِيرًا تحمل مالًا، فاعترض لها حُجْر، فأمسك بزِمام أوَّلها وقال: لا والله حتى تعطيَ كل ذي حقٍّ حقَّه. فقال شباب ثقيف للمغيرة: ألا نأتيك برأسه؟ فقال: ما كنت لأفعل ذلك بحُجْر، فتركه، فلما بلغ معاوية ذلك عزل المغيرة وولَّى زيادًا.

والصحيح أن المغيرة ما زال واليًا حتى مات، فلما مات جمع معاوية الكوفة مع البصرة لزياد، فدخلها وقد التف على حُجْر جماعات من شِيعة عليٍّ يقوُّون أمره، ويشدُّون على يده، ويسبُّون معاوية ويتبرَّؤون منه. فلما كان أول خطبة خطبها زياد بالكوفة ذكر في آخرها فضائل عثمان، وذمَّ مَنْ قتله أو أعان على قتله، فقام حُجْر كما كان يقوم في أيام المغيرة، وتكلَّم بما كان يكلِّم به المغيرة، فلم يعرض له زياد. ثم ركب زياد إلى البصرة، وأراد أن يأخذ حُجْرًا معه إلى البصرة لئلّا يحدث حدثًا، فقال: إني مريض، فقال: والله إنك لمريض الدين والقلب والعقل، والله لئن أحدثتَ شيئًا لأسعينَّ في ذلك إلى معاوية. ثم سار زياد إلى البصرة، فبلغه أن حُجْرًا وأصحابه أنكروا على نائبه بالكوفة - وهو عمرو بن حُريث - وحصبوه وهو على المنبر يوم الجمعة، فركب زياد إلى الكوفة، فنزل القصر، ثم خرج إلى المنبر وعليه قباء سُنْدس ومطرف خزّ أحمر، قد فَرَق شعره، وحُجْر جالس وحوله أصحابه أكثر ما كانوا [يومئذ، وكان مَنْ لبس من أصحابه يومئذ نحو من ثلاثة آلاف، وجلسوا حوله] (١) في المسجد في الحديد والسلاح. فخطب زياد، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن غِبَّ البغي والغيِّ وخيم، وإن هؤلاء القوم أَمِنُوني فاجترؤوا علَيّ، وايم الله لئن لم تستقيموا لأُداوينَّكم بدوائكم. ثم قال: ما أنا بشيء إن لم أمنع ساحة الكوفة من حُجْر وأدعه نكالًا لمن بعدَه، ويلُ امِّكَ يا حُجْر، سقط بك العشاءُ على سِرْحان. ثم قال:

أَبْلِغْ نَصِيحَةَ أنَّ راعيَ إبْلِها … سَقَطَ العَشَاءُ به على سِرْحان (٢)

وجعل زياد يقول في خطبته: إنَّ من حقِّ أمير المؤمنين [إنَّ من حقِّ أمير المؤمنين، فقال حُجْر: كذبتَ، فسكت زياد ونظر إليه ثم عاد: إن من حق أمير المؤمنين، إن من حق أمير المؤمنين] (٣) - يعني


(١) من المطبوع فقط.
(٢) "السرحان": الذئب، وهذا مثل يضرب في طلب الحاجة يؤدي صاحبها إلى التلف. وهو في مجمع الأمثال للميداني (١/ ٣٢٨).
(٣) سقط من المطبوع.