للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسلوا بعضَهم ليستقُوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدُهم دلوه تعلَّق فيه يوسفُ، فلما رآه ذلك الرجلُ ﴿قَالَ يَابُشْرَى﴾ أي: يا بشارتي ﴿هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي أوهموا أنه معهم غلام من جملة مَتْجَرهم ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي: هو عالمٌ بما تمالأ عليه إخوته وبما يسَّره واجدوه، من أنه بضاعة لهم، ومع هذا لا يغيره تعالى؛ لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقَدر السابق والرحمة بأهل مصرَ، بما يجري اللّه على يديْ هذا الغلام، الذي يدخلُها في صورة أسير رقيق، ثم بعد هذا يُملِّكه أزمَّة الأمور، وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يُحدُّ ولا يُوصف.

ولما استشعرَ إخوةُ يوسفَ بأخذ السيَّارة له لحقُوهم، وقالوا: هذا غلامنا أبَقَ منا فاشتروه منهم بثمنٍ بخسٍ، أي: قليل نَزْر، وقيل: هو الزيف ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾.

قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالي والسدي وقتادة وعطيَّة العوفي: باعوه بعشرين درهمًا، اقتسموها درهمين درهمين. وقال مجاهد: اثنان وعشرون درهمًا. وقال عكرمة ومحمد بن إسحاق: أربعون درهمًا، فاللّه أعلم.

﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي: أحسني إليه ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ وهذا من لُطْف اللّه به ورحمته وإحسانه إليه بما يريد أن يُؤهِّلَه له ويُعطيه من خيري الدنيا والآخرة.

قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصرَ عزيزُها، وهو الوزيرُ بها، الذي الخزائنُ مُسلَّمة إليه. قال ابن إسحاق: واسمه إطفير (١) بن رُوحيب. قال: وكان مَلِكُ مصرَ يومئذ الريَّان بن الوليد، رجل من العماليق. قال: واسم امرأة العزيز "راعيل" بنت رعاييل. وقال غيره: كان اسمها "زليخا" [والظاهر أنه لقبها] (٢). وقيل: "فكا" بنت ينوس. رواه الثعالبي عن أبي هشام الرفاعي.

وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس، كان اسم الذي باعَه بمصر يعني الذي جلبَه إليها مالكَ بن زعر بن نويب بن عفقا بن مديان بن إبراهيم، فاللّه أعلم.

وقال ابن إسحاق: عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: أفرسُ الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: ٢١] والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] وأبو بكر الصديق حين استخلفَ عمرَ بن الخطاب .


(١) في هامش أ وب: قطفير.
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من أ، وهو في ب والمطبوع.