للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوصف بكرم، فلو ذكرتَ له حالك فلعلَّه يسمح لك بشيء، فقال: ويحك! لا تُخْلِقي (١) وجهي، فألحَّت عليه في ذلك، فجاء فجلس إليه، فلمّا انصرف الناس عنه مكث الرجل جالسًا في مكانه، فقال له سعيد: أظن جلوسك لحاجة، فسكت [الرجل، فقال سعيد لغلمانه: انصرفوا، ثم قال له سعيد: لم يبقَ غيري وغيرك، فسكت] (٢) فأطفأ المصباح ثم قال له: رحمك اللَّه لست ترى وجهي فاذكر حاجتك، فقال: أصلح اللَّه الأمير! أصابتنا فاقة وحاجة فأحببت ذكرها لك فاستحييت، فقال له: إذا أصبحت فالقَ وكيلي فلانًا، فلمّا أصبح الرجل لقي الوكيل، فقال له الوكيل: إن الأمير قد أمر لك بشيء فأْتِ بمن يحملُه معك، فقال: ما عندي من يحملُه، ثم انصرت الرجل إلى امرأته فلامَها وقال: حملتيني على بذل وجهي للأمير، فقد أمر لي بشيء يحتاج إلى مَنْ يحملُه، وما أراه أمَرَ لي إلَّا بدقيق أو طعام، ولو كان مالًا لما احتاج إلى من يحملُه ولأعطانيه. فقالت له المرأة: فمهما أعطاك فإنه يقوتنا فخذه، فرجع الرجل إلى الوكيل، فقال له الوكيل: إني أخبرت الأمير أنه ليس لك أحد يحملُه، وقد أرسل بهؤلاء الثلاثة السُّودان يحملونه معك، فذهب الرجل أمامهم، فلمّا وصل إلى منزله إذا على رأس كل واحد منهم عشرة آلاف درهم، فقال للغِلْمان: ضَعُوا ما معكم وانصرفوا، فقالوا: إن الأمير قد أطلقَنا لك، فإنه ما بعث مع خادم هدية إلى أحد إلّا كان الخادم الذي يحملها من جملتها. قال: فحسن حال ذلك الرجل.

وذكر ابن عساكر: أن زياد بن أبي سفيان بعث إلى سعيد بن العاص هدايا وأموالًا وكتابًا ذكر فيه أنه يخطُب إليه ابنتَه أمَّ عثمان من آمنة بنت جرير بن عبد اللَّه البَجَلي، فلمّا وصلت الهدايا والأموال والكتاب قرأه، ثم فرَّق الهدايا في جلسائه، ثم كتب إليه كتابًا لطيفًا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قال اللَّه تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: ٦ - ٧] والسلام.

وروينا أن سعيدًا خطب أمَّ كلثوم بنت علي من فاطمة، التي كانت تحت عمر بن الخطاب، فأجابت إلى ذلك، وشاورت أخويها، فكرها ذلك -وفي رواية: إنما كره ذلك الحسين وأجاب الحسن- فهيأت دارها، ونصبت سريرًا، وتواعدوا للكتاب، وأمرت ابنها زيد بن عمر أن يزوِّجها منه، فبعث إليها بمئة ألف -وفي رواية: بمئتي ألف- مَهْرًا، واجتمع الناس عنده ليذهبوا معه، فقال: إني أكره أن أُحرج ابنَيْ (٣) فاطمة، فترك التزويج، وأطلق جميع ذلك المال لها.

وقال ابن مَعِين وعبد الأعلى بن حمّاد: سأل أعرابيٌّ سعيد بن العاص، فأمر له بخمسمئة، فقال الخادم: خمسمئة درهم أو دينار؟ فقال: إنما أمرتك بخمسمئة درهم، وإذ قد جاش في نفسك أنها


(١) تحرفت في (أ) و (ط) إلى: تحلقي. وفي اللسان: أخلق الدهر الشيء: أبلاه. وكذلك أخلق السائل وجهه.
(٢) ما بين حاصرتين سقط من أ، وسقط بعضه من ب.
(٣) في بعض النسخ: أمي.