للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخدم رسول اللَّه عشر سنين.

وثبت في "صحيح البخاري" (١) عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النَّبِيّ بمنزلة صاحب الشُّرطة من الأمير.

وحمل لواء رسول اللَّه في بعض الغزوات، واستعمله على الصَّدَقَة.

ولما بعث رسول اللَّه أبا عبيدة بن الجزاح ومعه ثلاثمئة من المهاجرين والأنصار، فأصابهم ذلك الجهد الكثير، فنحر لهم قيس بن سعد تسع جزائر، حتى وجدوا تلك الدابة على سِيف البحر، فأكلوا منها وأقاموا عليها شهرًا حتى سمنوا.

وكان قيس سيِّدًا مطاعًا كريمًا ممدَّحًا شجاعًا.

ولّاه علي نيابة مصر، وكان يقاوم بدهائه وخديعته وسياسته لمعاوية وعمرو بن العاص، ولم يزل معاوية يعمل عليه حتى عزله [علي] (٢) عن مصر وولَى عليها محمد بن أبي بكر الصدِّيق، فاستخفَّه معاوية ولم يزل حتى أخذ منه مصر كما قدمنا. وأقام قيس عند عليٍّ فشهد معه صفِّين والنهروان ولزمه حتى قُتل، ثم صار إلى المدينة، فلما اجتمعت الكلمة على معاوية جاءه ليبايعه كما بايعه أصحابه.

قال عبد الرزاق: عن ابن عُيينة قال: قدم قيس بن سعد على معاوية، فقال له معاوية: وأنت يا قيس تُلحِمُ عليَّ مع من أَلحم؟! أما واللَّه لقد كنتُ أحبُّ ألَّا تأتيني هذا اليوم إلّا وقد ظفر بك ظفر من أظفاري مُوجع، فقال له قيس: وأنا واللَّه قد كنت كارهًا أن أقوم في هذا المقام فاحيِّيك بهذه التحيَّة، فقال له معاوية: ولمَ؟ وهل أنت إلَّا حَبرٌ من أحبار يهود؟ فقال له قيس: وأنت يا معاوية كنتَ صنمًا من أصنام الجاهلية، دخلتَ في الإسلام كارهًا وخرجت منه طائعًا، فقال معاوية: اللهم غفرًا، مدَّ يدك، فقال له قيس بن سعد: إن شئت زدت وزدت.

وقال موسى بن عقبة: قالت عجوز لقيس: أشكو إليك قلَّة فأر بيتي، فقال قيس: ما أحسن هذه الكناية! املؤوا بيتها خبرًا ولحمًا وسمنًا وتمرًا (٣).

وقال غيره: كانت له صحفة (٤) يُدار بها حيث دار، وكان ينادي له منادٍ: هلمُّوا إلى اللحم والثَّريد. وكان أبوه وجدُّه من قبله يفعلان كفعله.


(١) رقم (٧١٥٥) في الأحكام.
(٢) سقط من أ. والخبر في حسن المحاضرة (١/ ٥٨٢ - ٥٨٣).
(٣) العقد الفريد (١/ ٢٥٦).
(٤) "الصحفة": الجفنة والقصعة.