للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما فهادني ثلاث سنين. فلمّا حضرا عند معاوية قال: من لهذا القوي؟ فقالوا: ماله إلّا أحد رجلين: إما محمد ابن الحنفيَّة، أو عبد اللَّه بن الزبير، فجيء بمحمد ابن الحنفيَّة وهو ابن علي بن أبي طالب، فلمّا اجتمع الناس عند معاوية قال له معاوية: أتعلم فيمَ أرسلتُ إليك؟ قال: لا، فذكر له أمر الرومي وشدة بأسه، فقال للرومي: إما أن تجلسَ لي أو أجلس لك، وتناولني يدك أو أُناولُك يدي، فأينا قدر على أن يُقيم الآخر من مكانه غلَبَه، وإلّا فقد غُلب. فقال له: ماذا تريد، تجلس أو أجلس؟ فقال له الرومي: بل اجلس أنت، فجلس محمد ابن الحنفيَّة وأعطى الرومي يدَه، فاجتهد الرومي بكل ما يقدر عليه من القوة أن يزيلَه من مكانه أو يحركه ليقيمه فلم يقدر على ذلك، ولا وجد إليه سبيلًا، فغُلب الرومي عند ذلك، وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم أنه قد غُلب. ثم قام محمد ابن الحنفيَّة فقال للرومي: اجلس لي، وأعطى محمدًا يده، فما أمهله أن أقامه سريعًا، ورفعه في الهواء ثم ألقاه على الأرض، فسُرَّ بذلك معاوية سرورًا عظيمًا.

ونهض قيس بن سعد، فتنحَّى عن الناس ثم خلع سراويلَه، وأعطاها لذلك الرومي الطويل، فلبسها فبلغت إلى ثَدْيَيْه وأطرافها تخُطُ بالأرض، فاعترف الروم بالغلب. وبعث ملكهم ما كان التزمه لمعاوية. وعاتب الأنصار قيس بن سعد في خلعه سراويله بحضرة الناس، فقال ذلك الشعر المتقدم معتذرًا به إليهم، وليكون ذلك ألزم للحجَّة التي تقوم على الروم وأقطع لما حاولوه (١).

وروى الحميدي، عن سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار قال: كان قيس بن سعد رجلًا ضخمًا جسيمًا، صغير الرأس، [ليست] (٢) له لحية في ذقنه، وكان إذا ركب الحمار العالي خطت رجلاه بالأرض.

وقال الواقدي (٣) وخليفة بن خياط (٤) وغير واحد: توفي بالمدينة في آخر خلافة معاوية. وذكر ابن الجوزي وفاته في هذه السنة، فتبعناه في ذلك.


(١) قال ابن عبد البر في الاستيعاب (٣/ ١٢٩٣): خبره في السراويل مع معاوية كذب وزور مختلق ليس له إسناد، ولا يشبه أخلاق قيس ولا مذهبه في معاوية، ولا سيرته في نفسه ونزاهته، وهي حكاية مفتعلة وشعر مزور، واللَّه أعلم.
(٢) سقطت من النسخ جميعًا، وقد أثبتها من ترجمته في المصادر. قال ابن الأثير في أسد الغابة (٤/ ٤٢٦) وكان ليس في وجهه لحية ولا شعرة، فكانت الأنصار تقول: وددنا أن نشتري لقيس لحية باموالنا. وكان مع ذلك جميلًا.
(٣) طبقات ابن سعد (٦/ ٥٣).
(٤) طبقاته (ص ٩٧).