للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: والسنة أن يُقال لمعاوية: ملك، ولا يقال له: خليفة، لحديث سَفِينة "الخِلافةُ بعدي ثلاثونَ سنَة، ثم تكون مُلْكًا عَضُوضًا" (١).

وقال عبد الملك بن مروان يومًا وذكر معاوية فقال: ما رأيت مثلَه في حِلْمه [واحتماله وكرمه] (٢).

وقال قَبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أعظم حلمًا، ولا أكثر سُؤددًا، ولا أبعد أناة، ولا ألين مخرجًا، ولا أرحب باعًا بالمعروف من معاوية.

وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلامًا سيئًا شديدًا، فقيل له: لو سطوتَ عليه؛ فقال: إني لأستحي من اللَّه أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد من رعيَّتي. وفي رواية: قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟! فقال: إني لأستحيي أن يكون جرم أحدٍ أعظمَ من حلمي.

وقال الأصمعي: عن الثوري قال: قال معاوية: إني لأستحي أن يكون ذنبٌ أعظمَ من عفوي، أو جهلٌ أكبرَ من حلمي، أو تكون عورةٌ لا أُواريها بستري.

وقال الشعبي والأصمعي عن أبيه قالا: جرى بين رجل -يقال له: أبو الجَهْم- وبين معاوية كلام، فتكلَّم أبو الجَهْم بكلام فيه غمٌّ لمعاوية، فأطرق معاوية ثم رفع رأسه فقال: يا أبا الجَهْم! إياك والسُّلطان، فإنه يغضبُ غضبَ الصِّبيان، ويأخذُ أخذَ الأسد، وإنَّ قليلَه يغلب أكثر الناس. ثم أمر معاوية لأبي الجَهْم بمال، فقال أبو الجَهْم في ذلك يمدح معاوية:

نَمِيلُ على جوانِبهِ كأنَّا … إذا مِلْنا نَمِيلُ على أَبينا

نُقَلِّبُهُ لِنَخْبُرَ حالتَيْهِ … فنَخْبُر منهُما كرَمًا ولِينا (٣)

وقال الأعمش: طاف الحسن بن عليٍّ مع معاوية، فكان معاوية يمشي بين يديه، فقال الحسن:


(١) أخرجه أحمد في مسنده (٥/ ٢٢٠، ٢٢١) وأبو داود (٤٦٤٦) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي (٢٢٢٦) في الفتن: باب ما جاء في الخلافة، من طرق عن سعيد بن جُمْهان (تحرفت هذه اللفظة في سنن أبي داود إلى: جهمان) عن سفينة مولى رسول اللَّه قال: قال رسول اللَّه : "الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا". قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي ست سنين. قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليًّا لم يكن بخليفة. قال: كذبت أَستاهُ بني الزرقاء - يعني بني مروان.
قال الترمذي: وهذا حديث حسن وقد تقدم.
"والملك العضوض": ملك فيه عسف وظلم.
(٢) ما بين حاصرتين سقط من ب. والخبر مطولًا في مختصر تاريخ دمشق (٢٥/ ٥٥).
(٣) ينسب هذان البيتان لعبد المسيح بن دارس، وأن أبا الجهم قالهما متمثلًا، كما في أمالي القالي (١/ ٢٣٤). أما في البيان والتبيين (٣/ ٢٣٣) وعيون الأخبار (١/ ٢٨٤) فقد عزيا إلى أبي الجهم وأنه قالهما في معاوية. والخبر في مختصر تاريخ دمشق (١٦/ ٢٥ و ٢٥/ ٥٩). وأبو الجهم: هو عبيد -أو عامر- بن حذيفة، من مسلمة الفتح.