للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال معاوية: نعى إليَّ نفسي (١)] (٢).

وقال ابن أبي الدنيا: حدّثني هارون بن سفيان، عن عبد اللَّه السَّهمي، حدّثني ثمامة بن كُلْثوم: أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال: أيُّها الناس! إنَّ من زرع قد استَحْصَد، وإني قد وليتكم ولن يَليَكم أحد بعدي خير مني، وإنما يليكم من هو شرٌّ مني، كما كان مَنْ وليكم قبلي خيرًا مني. ويا يزيد! إذا دنا أجلي فولِّ غَسْلي رجلًا لبيبًا، فإن اللبيب من اللَّه بمكان، فليُنْعم الغسل، وليَجْهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوبٌ من ثياب رسول اللَّه وقُرَاضة من شعره وأظفاره، فاستودعِ القُراضة أنفي وفمي وأذنيّ وعينيّ، واجعل ذلك الثوب مما يلي جلدي دون أكفاني. ويا يزيد! احفظْ وصيَّة اللَّه في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جَريدتي، ووضعتموني في حُفْرتي، فخلُّوا معاوية وأرحم الراحمين (٣).

وقال بعضهم: لما احتُضِرَ معاوية جعل يقول:

لَعمري لقد عمِّرتُ في الدَّهر بُرْهةً … ودانَتْ ليَ الدُّنيا بوقع البَوَاتر

وأُعطيتُ حمرَ المال والحُكمَ والنُّهى … ولي سَلَّمتْ كلُّ الملوكِ الجبابر

فأضحى الذي قَدْ كانَ ممَّا يَسُرُّني … كحكم مَضَى في المُزْمناتِ الغوابر

فيالَيتني لم أُعْنَ في الملكِ ساعةً … ولم أَسْعَ في لذَّاتِ عيشٍ نواضر

وكنتُ كذي طِمْرَين عاشَ ببُلْغةٍ … من العيشِ حتّى زارَ ضِيقَ المَقابر (٤)

وقال محمد بن سعد: أنبأنا علي بن محمد، عن محمد بن الحكم، عمَّن حدثه: أن معاوية لما احتُضِر أوصى بنصف ماله أن يُرَدَّ إلى بيت المال -كأنه أراد أن يطيب له- لأن عمر بن الخطاب قاسم عمّاله.

وذكروا أنه في آخر عمره اشتدَّ به البرد، فكان إذا لبس أو تغطَّى بشيء ثقيل يغمُّه، فاتخذ له ثوبًا من حواصل الطير، ثم ثقل عليه بعد ذلك، فقال: تبًّا لكِ من دار! ملكتُك أربعين سنة: عشرين أميرًا وعشرين خليفة، ثم هذا حالي فيكِ ومصيري منكِ! تبًّا للدنيا ولمحبِّيها.

وقال محمد بن سعد: أنبأنا أبو عبيدة، عن أبي يعقوب الثَّقَفي، عن عبد الملك بن عُمير قال: لما


(١) الخبر في تاريخ الطبري (٥/ ٣٣٥ - ٣٣٦) والشعر الذي ورد فيه صُفَّ في مطبوع ابن كثير نثرًا. والرجل الذي كتبه لمعاوية هو زر بن حُبيش أو أيمن بن خُريم كما ورد عند الطبري.
(٢) هنا ينتهي السقط من النسختين أ، ب والذي أشرنا إليه قبل صفحة تقريبًا.
(٣) مختصر تاريخ دمشق (٢٥/ ٧٩).
(٤) مختصر تاريخ دمشق (٢٥/ ٧٩ - ٨٠) مع اختلاف ببعض الألفاظ، وقد أورد صاحب البدء والتاريخ (٦/ ١٦) البيتين الأخيرين، وكذا المسعودي في مروج الذهب (٣/ ٥٨).