للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى محمد بن سِيرين وأختُه حفصة عن أنس قال: كنت عند ابن زياد، فجيء برأس الحسين، فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول: ما رأيتُ مثلَ هذا حُسْنًا، فقلت له: إنه كان من أشبههم برسول اللَّه (١).

وقال سفيان: قلت لعبيد اللَّه بن أبي يزيد (٢): رأيتَ الحسين؟ قال: نعم، أسود الرأس واللحية إلَّا شعرات هاهنا في مقدَّم لحيته، فلا أدري أَخَضَب وترك ذلك المكان تشبُّهًا برسول اللَّه أو لم يكن شابَ منه غير ذلك.

وقال ابن جُريج: سمعت عمر بن عطاء قال: رأيتُ الحسين بن علي يصبُغُ بالوَسْمة (٣)، أما هو فكان ابن ستين سنة، وكان رأسُه ولحيتُه شديدَي السَّواد.

فأما الحديث الذي رُوي من طريقين ضعيفين، أنَّ فاطمة سألت رسول اللَّه في مرض الموت أن ينحل ولَدَيها شيئًا فقال: "أمّا الحسنُ فلَه هَيْبَتي وسُؤْددي، وأمَّا الحسينُ فلَهُ جُرْأتي وجُودي" فليس بصحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب المعتبرة.

وقد أدرك الحسين من حياة النَّبِيّ خمس سنين أو نحوها، وروى عنه أحاديث. وقال مسلم بن الحجّاج (٤): له رؤية من النبي .

وقد روى صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال في الحسن بن علي: تابعي ثقة. وهذا غريب، فلأن يقول في الحسين: إنه تابعي، بطريق الأَولى.

وسنذكر ما كان رسول اللَّه يكرمهما به، وما كان يُظهر من محبَّتهما والحنوِّ عليهما [في فضائل الحسين إذا فرغنا من ذكر مقتله] (٥)، والمقصودُ: أن الحسين عاصر رسول اللَّه وصحبه إلى أن توفي وهو عنه راض، ولكنه كان صغيرًا. ثم كان الصدِّيق يكرمه ويعظِّمه، وكذلك عمر وعثمان. وصحب أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلِّها، في الجمل وصفِّين، وكان معظَّمًا موقَّرًا، ولم يزل في طاعة


(١) أخرجه البخاري رقم (٣٧٤٨) في الفضائل، من طريق جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين. وأخرجه الترمذي (٣٧٧٨) في المناقب: باب مناقب الحسن والحسين، من طريق النضر بن شميل، أخبرنا هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين.
(٢) تحرف يزيد في الأصول إلى: زياد. والخبر في مختصر تاريخ دمشق (٧/ ١١٧) وسير أعلام النبلاء (٣/ ٢٨١).
(٣) الوسمة -بالسين المهملة- نبت يختضب به. وقد وقعت في أ، ط: بالوشمة.
(٤) الكنى والأسماء (٤٦٥).
(٥) ما بين الحاصرتين من م.