للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هانئ بن هانئ السَّبيعي، وسعيد بن عبد اللَّه الحنفي، ومعهما كتاب فيه الاستعجال في السَّيْر إليهم.

وكتب إليه شَبَث بن رِبْعي، وحَجّار بن أَبْجَر، ويزيد بن الحارث بن رُوَيم، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي: "أما بعد، فقد اخضرَّت الجِنان، وأَينعت الثِّمار، ولطمت الجِمام، فإذا شئت فاقدَم على جندٍ لك مجنَّدة، والسلام عليك".

فاجتمعت الرسل كلُّها بكتبها عند الحسين، وجعلوا يستحثُّونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضًا عن يزيد بن معاوية، ويذكرون في كتبهم أنهم قد فرحوا بموت معاوية، وينالون منه، ويتكلَّمون في دولته، وأنهم لمّا يبايعوا أحدًا إلى الآن، وأنهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدموك عليهم. فعند ذلك. بعث ابنَ عمِّه مسلم بن عَقيل بن أبي طالب إلى العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فإن كان متحتمًا وأمرًا حازمًا محكمًا بعث إليه ليركب في أهله وذويه، ويأتي الكوفة ليظفر بمن يعاديه، وكتب معه كتابًا إلى أهل العراق بذلك. فلمّا سار مسلم من مكة اجتاز بالمدينة فأخذ منها دليلَين، فسارا به على براري مهجورة المسألك، فكان أحد الدليلَين منهما أول هالك، وذلك من شدَّة العطش، وقد أضلُّوا الطريق فهلك الدليل الواحد بمكان يقال له: المَضيق من بطن خُبيت، فتطيَّر به مسلم بن عَقيل، فتلبَّث مسلم على ماء هنالك، ومات الدليل الآخر، فكتب إلى الحسين يستشيره في أمره، فكتب إليه الحسين يعزم عليه أن يدخل العراق، وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم، ويستخبر خبرهم.

فلما دخل الكوفة نزل على رجل يقال له مسلم بن عَوْسجة الأسدي - وقيل: نزل في دار المختار بن أبي عُبيد الثقفي، فاللَّه أعلم. فتسامع أهل الكوفة بقدومه، فجاؤوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنَّه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفًا، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفًا، فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور، فتجهَّز الحسين من مكة قاصدًا الكوفة كما سنذكره.

وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير، خبَّره رجل بذلك، فجعل يضرب عن ذلك صفحًا ولا يعبأ به، ولكنه خطب الناس ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسُّنة وقال: إني لا أقاتل من لا يقاتلُني، ولا أثب على مَنْ لا يثب علي، ولا آخذكم بالظِّنَّة، ولكن -واللَّه الذي لا إله إِلَّا هو- لئن فارقتُم إمامكم ونكثتُم بيعته لأقاتلنَّكم ما دام في يدي من سيفي قائمتُه (١). فقام إليه رجل يقال له عبد اللَّه بن مسلم بن شعبة الحَضْرمي فقال له: إنَّ هذا الأمر لا يصلُح إلّا بالغَشْم (٢)، وإن الذي سلكتَه -


(١) "قائم السيف وقائمته": مقبضه.
(٢) "الغشم": الظلم.