للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي مِخْنف وغيره من رواة الشيعة- ثم قال له ابن زياد: إني قاتلُك. قال: كذلك؟ قال: نعم. قال: فدعني أُوصي إلى بعض قومي، قال: أَوصِ، فنظر في جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: يا عمر! إنَّ بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سرٌّ فقم معي إلى ناحية القصر حتى أقولها لك، فأبى أن يقوم معه حتى أَذن له ابن زياد. فقام فتنحَّى قريبًا من ابن زياد، فقال له مسلم: إنَّ علي دينًا في الكوفة سبعمئة درهم فاقضِها عني، واستوهبْ جثَّتي من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين فإني كنت فد كتبت له أن الناس معه، ولا أراه إلّا مقبلًا. فقام عمر، فعرض على ابن زياد ما قال له، فأجاز ذلك له كلّه وقال: أما الحسين فإنه إن لم يردنا لا نرده، وإن أرادنا لم نكفّ عنه. ثم أمر ابنُ زياد بمسلم بن عَقيل، فأُصعد إلى أعلى القصر وهو يكبِّر ويهلِّل ويسبِّح ويسغفر ويصلِّي على ملائكة اللَّه ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غزُّونا وخذلونا. ثم ضرب عنقه رجل يقال له بُكير بن حُمْران، ثم ألقى رأسه إلى أسفل القصر، وأتبع رأسه بجسده. ثم أمر بهانئ بن عروة المَذْحجي، فضربت عنقه بسوق الغنم، وصلب بمكان من الكوفة يقال له الكُنَاسة، فقال رجل شاعر في ذلك قصيدة:

فإنْ كنتِ لا تَدْرينَ ما الموتُ فانظُري … إلى هانئٍ في السُّوق وابنِ عَقيل

أصابَهُما أمرُ الإمام فأصبَحا … أحاديثَ مَنْ يغشى بكلِّ سَبيل

[إلى بطلٍ فد هَشَّم السيفُ وجهَهُ … وآخر يَهْوي من (١) طَمَارَ قَتيل

تَرَيْ جسَدًا قد غيَّر الموتُ لونَه … ونَضْحَ دمٍ قَدْ سال كلَّ مسيل

فإنْ أنتمُ لم تَثْأروا بأخيكمُ … فكُونوا بَغِيًّا أُرْضِيتْ بقليل (٢)

ثم إن ابن زياد قَتل معهما أناسًا آخرين] (٣) ثم بعث برؤوسهما إلى يزيد بن معاوية إلى الشام، وكتب إليه كتابًا صورة ما وقع من أمرهما.

وقد كان عبيد اللَّه قبل أن يخرج من البصرة بيوم خطب أهلَها خطبة بليغة ووعظهم فيها وحذَّرهم وأنذرهم من الاختلاف والفتنة والتفرُّق. كما رواه هشام بن الكلبي وأبو مِخْنف، عن الصَّقْعب بن زهير،


(١) في الأصول ومروج الذهب (٣/ ٦٩) في، والتصويب من تاريخ الطبري (٥/ ٣٨٠) ولسان العرب (طمر). "والطمار": اسم المكان العالي. ويُنشَد البيت بفتح الراء وكسرها.
(٢) اختلف الرواة في قائل هذه الأبيات، فقد نسبها الدينوري في الأخبار الطوال (ص ٢٤٢) لعبد الرحمن بن الزُّبَير الأسدي، وهي في تاريخ الطبري (٥/ ٣٧٩ - ٣٨٠) والكامل لابن الأثير (٤/ ٣٦) لعبد اللَّه بن الزّبير أو للفرزدق. والبيتان الأول والثالث منها من شواهد اللسان: مادة (طمر) ونسبقما فيه لسليم بن سلام الحنفي. والأبيات أيضًا في مروج الذهب (٣/ ٦٩) ومختصر تاريخ دمشق (١٢/ ٢١١) وسير أعلام النبلاء (٣/ ٣٠٨).
(٣) ما بين حاصرتين سقط من ب.