للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لحسين، قال] (١): فأتيتُه، فإذا شيخٌ يقرأ القرآن والدموعُ تسيل على خدَّيه ولحيته، قال: قلت بأبي وأمي يا بن رسول اللَّه، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟! فقال: هذه كتب أهل الكوفة إليَّ، ولا أراهم إلّا قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك لم يَدَعوا للَّه حرمة إلّا انتهكوها، فيسلِّط اللَّه عليهم مَنْ يذِلُّهم حتى يكونوا أذلَّ مِن فَرَمِ الأَمَة - يعني: مِقْنَعَتها (٢). وأخبرنا علي بن محمد، عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قُرَّة قال: قال الحسين: واللَّه لتَعْتدنَ عليَّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت. وحدّثنا علي بن محمد، عن جعفر بن سليمان الضُّبعي قال: قال الحسين: واللَّه لا يَدَعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلَّط اللَّه عليهم من يُذلُّهم حتى يكونوا أذل مِن فَرَم الأَمَة. فقُتل بِنيْنَوى (٣) يوم عاشوراء سنة إحدى وستين.

وقال يعقوب بن سفيان: حدَّثنا أبو بكر الحميدي، حدَّثنا سفيان، حدَّثنا شهاب بن خِرَاش (٤)، عن رجل من قومه قال: كنت في الجيش الذين بعثهم ابن زياد إلى الحسين [وكانوا أربعة آلاف يريدون قتال الدَّيلم، فعيَّنهم ابن زياد، وصرفهم إلى قتال الحسين] (٥) فلقيتُ حسينًا، فرأيته أسود الرأس واللحية، فقلت له: السلام عليك أبا عبد اللَّه. فقال: وعليك السلام -وكانت فيه غُنَّة- فقال: لقد باتت فيكم سللة منذ الليلة - يعني سُرّاقًا (٦). قال شهاب: فحدثت به زيد بن علي فأعجبه: وكانت فيه غُنَّة. قال سفيان بن عيينة: وهي في الحسينيِّين (٧).

قال أبو مِخْنف: عن أبي خالد الكاهلي قال: لما صبَّحت الخيلُ الحسينَ بن علي رفع يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدَّة، وأنت لي من كل أمر نزل بي ثقةٌ وعدَّة، فكم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلُّ فيه الحيلة، ويخذُل فيه الصديق، ويشمَت فيه العدو، فأنزلتُه بك وشكوتُه إليك، رغبةً فيه إليك عمن سواك، ففرَّجتَه وكشفتَه وكفيتَنيه، فأنت (٨) وليُّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل غاية (٩).


(١) ما بين حاصرتين سقط من أ، ب.
(٢) "المقنعة": ما تغطي به المرأة رأسها. وفي النهاية لابن الأثير (٣/ ٤٤١): (حتى تكونوا أذل من فرم الأمة) هو ما تعالج به المرأة فرجها ليضيق. وقيل: هو خرقة الحيض.
(٣) "نينوى": ناحية بسواد الكوفة، منها كربلاء.
(٤) تحرف في ط والمعرفة والتاريخ إلى: حراش وفي أ إلى: حرشان.
(٥) ما بين حاصرتين سقط من ب، كما سقطت لفظة آلاف من المعرفة والتاريخ.
(٦) في ط: سرافًا تحريف.
(٧) المعرفة والتاريخ (٣/ ٣٢٥).
(٨) بعد هذا في ط: "لي" وليست في م ولا في تاريخ الطبري (٥/ ٤٢٣)، ولا في تاريخ دمشق.
(٩) مختصر تاريخ دمشق (٧/ ١٤٦).