للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم: ألا تقبلون من هؤلاء ما يَعرضون عليكم؟! واللَّه لو سألتْكم هذا الترك والدَّيلم ما حلَّ لكم أن تردُّوهم. فأبَوْا إلّا حكم ابن زياد، فضرب الحرُّ وجه فرسه وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنُّوا أنه جاء ليقاتلهم، فلمّا دنا منهم قلب ترسه وسلَّم عليهم، ثم كرَّ على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين، ثم قُتل (١).

وذكر أن زهير بن القَيْن البَجَلي لقي الحسين وكان حاجًّا، فأقبل معه، وخرج إليه ابن أبي مخرمة (٢) المرادي ورجلان آخران -وهما عمرو بن الحجَّاج ومعن السُّلمي-[قال الحُصين: وقد رأيتهما. قال:] (٣) وأقبل الحسين يكلّم من بعث إليه ابن زياد [وإني لأنظر إليه] (٤) وعليه جبَّة من برود، فلمّا كلَّمهم انصرف، فرماه رجل من بني تميم يقال له عَمْرو الطُّهَوي بسهم بين كتفيه، فإني لأنظر إلى السهم بين كتفيه متعلِّقًا بجبَّته، فلما أبَوْا عليه رجع إلى مصافِّه، وإني لأنظر إليهم وهم قريب من مئة رجل، فيهم لصُلب علي خمسة، ومن بني هاشم ستة عشر، ورجل من بني سُليم حليف لهم، ورجل من بني كنانة حليف لهم، وابن عم ابن زياد.

وقال حُصين: وحدّثني سعد بن عبيدة قال: إنا لمستنقعون في الماء مع عمر بن سعد، إذ أتاه رجل فسارَّه فقال له: قد بعث إليك ابن زياد جُوَيرية بن بدر التميمي، وأمره إن لم تقاتل القوم أن يضرب عنقك. قال: فوثب إلى فرسه فركبها، ثم دعا بسلاحه فلبسه، وإنه لعلى فرسه، ونهض بالناس إليهم فقاتَلوهم، فجيء برأس الحسين إلى ابن زياد، فوضع بين يديه، فجعل يقول بقضيبه في أنفه ويقول: إن أبا عبد اللَّه كان قد شَمِط (٥). قال: وجيء بنسائه وبناته وأهله، وكان أحسن شيء صنَعَه أن أمر لهم بمنزل في مكان معتزل، وأجرى عليهم رزقًا، وأمر لهم بنفقة وكسوة. قال: وانطلق غلامان منهم من أولاد عبد اللَّه بن جعفر -أو ابن أبي جعفر- فأتيا رجلًا من طيئٍ، فلجأ إليه يستجيران به، فضرب أعناقهما وجاء برأسَيْهما حتى وضعهما بين يدي ابن زياد. قال: فهمَّ ابن زياد بضرب عنقه، وأمر بداره فهُدمت (٦).

قال: وحدّثني مولى لمعاوية بن أبي سفيان قال: لما أُتي يزيدُ برأس الحسين فوضع بين يديه، رأيته يبكي ويقول: لو كان بينه وبينه رحِمٌ ما فعل هذا - يعني ابن زياد (٧).


(١) تاريخ الطبري (٥/ ٣٩٢).
(٢) في تاريخ الطبري (٥/ ٣٩٢) بحرية.
(٣) ما بين الحاصرتين ليس في ط، واستدركناه من م، وهو في تاريخ الطبري أيضًا (٥/ ٣٩٢).
(٤) ما بين الحاصرتين من م، وهو أيضًا في تاريخ الطبري.
(٥) "شمط": شاخ وكبر.
(٦) تاريخ الطبري (٥/ ٣٩٣).
(٧) المصدر السابق.