للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليَّ أن قد أينعت الثمار واخضرَّ الجناب، فاقدَم علينا فإنك إنما تقدَم على جند مجنَّدة؟ فقالوا له: لم نفعل. فقال: سبحان اللَّه! واللَّه لقد فعلتم. ثم قال: يا أيها الناس! إذ قد كرهتموني فدَعُوني أنصرف عنكم، فقال له قيس بن الأشعث: ألا تنزل على حُكم بني عمك فإنهم لن يؤذوك، ولا ترى منهم إِلَّا ما تحب؟ فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عَقيل؟ لا واللَّه لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أُقر لهم إقرار العبيد] (١).

قال: وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيَّز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسًا فيما قيل، منهم الحرُّ بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد، فاعتذر إلى الحسين مما كان منه، قال: ولو أعلم أنهم على هذه النيَّة لسِرتُ معك إلى يزيد، فقبل منه الحسين، ثم تقدم بين يدي أصحاب الحسين، فخاطب عمر بن سعد فقال: ويحكم! ألا تقبَلون من ابن بنت رسول اللَّه ما يعرض عليكم من الخصال الثلاث؟ فقال: لو كان ذلك إليَّ قبلت.

[قال: وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القَيْن على فرس له شاك في السلاح فقال: يا أهل الكوفة! نَذارِ لكم من عذاب اللَّه نَذار، إن حقًّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد ومِلَّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العِصمة وكنا أمة وأنتم أمة، إن اللَّه قد ابتلانا وإياكم بذريَّة نبيِّه لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصرهم، وخِذْلان الطاغية ابن الطاغية عبيد اللَّه بن زياد، فإنكم لم تدركوا منهما إِلَّا سوءًا عموم سلطانهما، يَسْمُلان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثِّلان بكم، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حُجْر بن عدي وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه. قال: فسبُّوه، وأثنَوْا على ابن زياد ودَعَوا له، وقالوا: لا ننزِعُ حتى نقتل صاحبك ومن معه. فقال لهم: إن ولد فاطمة أحقُّ بالود والنصر من ابن سميَّة، فإن أنتم لم تنصروهم فأُعيذكم باللَّه أن تقتلوهم، خلُّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، يذهب حيث شاء، فلَعَمْري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. قال: فرماه شَمِر بن ذي الجَوْشن بسهم وقال له: اسكُتْ، أَسكَتَ اللَّهُ نَأْمتَك (٢)، أبْرَمْتنا (٣) بكثرة كلامك. فقال له زهير: يا بنَ البوَّال على عقبَيْه، إياك أخاطب (٤)؟! إنما أنت بهيمة، واللَّه ما أظنك تُحكِم من كتاب اللَّه آيتين، فأبشِرْ بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شَمِر: إن اللَّه قاتلُك وصاحبَك بعد ساعة، فقال له زهير: أبالموت


(١) ما بين حاصرتين سقط من ب، وهو في أ، ط وتاريخ الطبري (٥/ ٤٢٥).
(٢) قال صاحب اللسان: يقال: أسكت اللَّه نأمته -مهموزة مخففة الميم- وهو من النئيم: الصوت الضعيف، أي نغمته وصوته. ويقال: نامَّته - بتشديد الميم. يدعى بذلك على الإنسان.
(٣) "أبرمتنا": أضجرتنا.
(٤) في تاريخ الطبري (٥/ ٤٢٦) ما إياك أخاطب.