للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاءه رجل من بني بَدّا (١) يقال له مالك بن البشير (٢)، فضرب الحسين على رأسه بالسيف، فأدمى رأسه، وكان على الحسين برنس، فقطعه وجرح رأسه، فامتلأ البُرْنس دمًا، فقال له الحسين: لا أكلتَ بها ولا شربت، وحشركَ اللَّه مع الظالمين. ثم ألقى الحسين ذلك البُرْنس ودعا بعمامة فلبسها.

[وقال أبو مخنف: حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حُميد قال: خرج إلينا غلام كأنَّ وجهه فِلْقة قمر، في يده السيف، وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شِسْع أحدهما، ما أنسى أنها اليسرى، فقال لنا عمر بن سعد بن نُفيل الأزدي: واللَّه لأشدَّنَّ عليه. قال: فقلت له: سبحان اللَّه! وما تريد إلى ذلك؟ يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم. فقال: واللَّه لأشدَّنَّ عليه. فشدَّ عليه عمر بن سعد أمير الجيش فضربه، وصاح الغلام: يا عمّاه! قال: فشدَّ الحسين على عمر بن سعد شدَّة ليث أعضب، فضرب عمرَ بالسيف، فاتقاه بالساعد، فأطنَّها من لَدُن المِرْفق، فصاح ثم تنحَّى عنه. وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين، فاستقبلت عمر بصدورها وحرَّكت حوافرها، وجالت بفرسانها عليه، ثم انجلت الغبرة فإذا الحسينُ قائم على رأس الغلام، والغلام يفحص برجله، والحسين يقول: بُعْدًا لقوم قتلوك، ومَنْ خصمُهم يوم القيامة فيك جدُّك. ثم قال: عزَّ -واللَّه- على عمك أن تدعوَه فلا يُجيبك، أو يُجيبك ثم لا ينفعك، صوت -واللَّه- كثر واترُه وقلَّ ناصرُه. ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، وقد وضع الحسين صدره على صدره، ثم جاء به حتى ألقاه مع ابنه عليٍّ الأكبر ومع مَنْ قُتل من أهل بيته، فسألتُ عن الغلام، فقيل لي: هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (٣).

وقال هانئ بن ثُبيت الحضرمي: إني لواقف يوم مقتل الحسين عاشرَ عشرة ليس منا رجل إلّا على فرس، إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية، وعليه إزار وقميص، وهو مذعور يلتفت يمينًا وشمالًا، فكاني أنظر إلى دُرَّتين في أُذنيه تذبذبان كلَّما التفت، إذ أقبل رجل يركض على فرسه، حتى إذا دنا من الغلام مال عن فرسه، ثم أخذ الغلام فقطعه بالسيف. قال هشام السَّكوني: هانئ بن ثُبيت هو الذي قتل الغلام، خاف أن يُعاب ذلك عليه فكنَّى عن نفسه] (٤).

قال: ثم إن الحسين أعيا، فقعد على باب فُسْطاطه وأُتي بصبي صغير من أولاده اسمه عبد اللَّه، فأجلسه في حِجْره، ثم جعل يقبِّله ويشمُّه ويودِّعه ويوصي أهلَه، فرماه رجل من بني أسد -يقال له: ابن (٥) موقد النار- بسهم، فذبح ذلك الغلام، فتلقَّى حسين دمه في يده وألقاه نحو السماء وقال:


(١) "بدًّا": بطن من كندة.
(٢) في تاريخ الطبري (٥/ ٤٤٨) وابن الأثير (٤/ ٧٥) النسير.
(٣) الخبر في تاريخ الطبري (٥/ ٤٤٧ - ٤٤٨) ومقاتل الطالبيين (ص ٥٨) وابن الأثير (٤/ ٧٥).
(٤) ما بين حاصرتين سقط من ب وتاريخ الطبري (٥/ ٤٤٩).
(٥) لفظة ابن من ط فقط.